تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
حصار الأنومى!
أستمتع بقراءة تعليقات الناس على وسائل التواصل الاجتماعى، لمعرفة النبض الحقيقى للمجتمع، وأيضا لخفة ظل المصريين وذكائهم الحاد، وفى تعليق لأحدهم على أغنية «أنت الحب» لسيدة سيدات العرب (أم كلثوم) جاء فيه: لقد أخذتنى إلى السماء بسمو الكلمات وعذوبة الألحان ورهافة الإحساس،لأفتح عينى على أغانى المهرجانات فأحس إنى فى كابوس، حد يفوقنى يا جدعان!.
هذا الظريف يعبر عن حالة اجتماعية آخذه فى الانتشار، هى الأنومى التى شرحها عالم الاجتماع (إميل دوركايم) وهى حالة اللامعيارية والتباس التفكير، والفن والغناء أوضح الظواهر الاجتماعية التى تعبر عن حال المجتمع، فالمجتمع كل متكامل يؤثر بعضه فى بعض، ومع الانفتاح الفوضوى غير المسبوق لوسائل التواصل، تم إلقاء الضوء على جميع الانحرافات الاجتماعية كبيرها وصغيرها، وسمح بالاستخدام السلبى فى التعبير عن الذات، وتسلط هوس الترند المنحط لتحقيق مكاسب مادية على حساب القيم والتقاليد المكتسبة، العالم المخفى يعلن عن نفسه بفجور وأصبح وسيلة انتقامية متاحة للتشهير، بلا ضوابط ولا محاذير، وبالطبع ساحة متسعة للأشرار للتضليل والنصب والإباحية، وكل مالا تتحمله الذائقة السوية، وأضعفت سلطة التحكم، فإن استطعت التحكم بنفسك، فإنك غير قادر على التحكم فى محيطك الاجتماعى، الذى يتأثر بالسلب مع المادة المعروضة غير المنضبطة، مما يزيد التوتر الاجتماعى، ويزيد الإحساس بالغربة،
وحسب نظرية التوتر لعالم الاجتماع (روبرت كنج ميرتون) ان الناس تفضل التقوقع على الذات والانعزال عندما تكون معايير المجتمع متصارعة او ضعيفة، لعدم التناسق بين القيم المتفق عليها والطرق الواقعية بالمجتمع لتحقيق الاهداف، ويصل إلى حد الجرائم.
أعتقد أن هذه الحالة مؤقتة، لأصالة روح الاسرة بالمجتمع، ولتبنى الدولة منهج الإصلاح فى كل المجالات، فتعمل على تطوير التعليم واسترداد هيبة المدرس والمدارس ، كدور تربية فى الأساس، والأهم أن هنالك وعيا عاما يتزايد بأهمية العقل النقدى الذى يفحص كل ما يلقى عليه، لا ابتلاعه على علاته، عملا بالمقولة العربية القديمة إذا ساءت الأحوال فإن سوء الظن من حسن الفطن!.
إلا أن حاله الأنومى المستعصية على الحل هى الحالة العالمية التى انكشفت على أشدها فى العدوان الإسرائيلى على غزة، فى أكبر عملية تطهير عرقى منذ الهولوكوست النازى لليهود، فهذا القتل الممنهج لم يعد قضية عربية أو إسلامية فهو قضية إنسانية لايتحملها بشر يحمل فى جنباته قلبا أو ضميرا، إلا إذا كانوا وحوشا على هيئة بشر، فوقعنا فى حصار الأنومى.
فرغم أن العالم يجمع على ضرورة وقف الحرب من خلال مؤسساته الدولية فى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، لكن لا جدوى من كل القرارات لردع الحكومة المتطرفة من التمادى فى غيها، إحياء لغل (شايلوك) فى تاجر البندقية لشكسبير، الذى يطالب بتقطيع جسد المقترض لسداد دينه! هكذا التطرف الإسرائيلى الذى يدعى أن هدفه استئصال المقاومة للاحتلال، حتى يكف عن تقطيع رءوس الأطفال وحرقهم أحياء فى مخيماتهم، و تدمير غزة على رءوس أهلها !
فكان تساؤل أحد المعلقين للمدافع عن حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، هل لو كانت حماس تختبئ وسط المدنيين الإسرائيليين كانت تجرؤ الحكومة على فعل ما تفعله بالفلسطينيين؟!.
يشعر العالم بحالة «الأنومى» لوضوح القضية، فمن البديهيات أن الاحتلال الغاصب للوطن يستدعى المقاومة، وإسرائيل هى من منحت حماس هذا الشرف، بالدفاع عن قضية عادلة لرفع الظلم التاريخى الممتد، بعد أن خذلت إسرائيل كل الأيادى الفلسطينية الممتدة بالسلام! لأنها ببساطة ليست مجبرة على إحقاق الحق مادامت تحت رعاية أقوى إمبراطورية فى التاريخ، الولايات المتحدة الأمريكية!.
فى أمريكا نفسها تفشت حالة الأنومى للتناقضات الاجتماعية العديدة الآخذة فى الانتشار التى تؤكد رؤية (ميرتون) بانهيار الحلم الأمريكى، فهناك تناقضات بين ما يعلن من قيم و معايير وبين السياسات على أرض الواقع، وتمثل الاجتماعات الطلابية فى الجامعات الأمريكية الوجه المشرق لها دفاعا عن حقوق الإنسان، ويواصل الطلبة الاحتجاجات رغم الضغوط الرهيبة للمال الصهيونى الذى أجبر عدة رؤساء جامعات على الاستقالة، وطالت العقوبات الطلبة بالفصل، وتأخير التخرج، وكذلك التهديد بالحرمان من العمل فى الشركات الصهيونية الكبرى،
ويرى احد المضارين من هذه العقوبات الطالب (بريت شريدر) أن ذلك لايمثل شيئا بالمقارنة بما يعانيه الملايين فى الارض المحتلة بغزة، كذلك يؤكد (جون ميرشماير) أستاذ العلوم السياسية فى جامعة شيكاجو أن الموقف من هذه الحرب سيكون مختلفا لولا النفوذ الصهيونى، الذى يدعم بالأموال الموالين ويعادى المناوئين، فبات من المسلمات سيطرة المال الصهيونى على الحكم فى أمريكا، ليخلق لدى العقلاء ذوى الضمير الحى حالة من الأنومى الاجتماعى، والوقوع تحت طائلة اللامعيارية، واللامعنى، والعجز، والاغتراب! فأين الحلم الأمريكى المزعوم عندما تفقد إنسانيتك!.
عبر الصحفى الأمريكى النبيل (كريس هيدجيز) فى مؤتمر لمناصرة الضحايا فى غزة بنيويورك عن موقفه، بوصف حال الجيش الإسرائيلى وتباهيه بالقتل، قائلا بلسان حال جنوده: نحن ممن صنعنا الجحيم نجوعكم.. نقتلكم.. نحن أسياد! القانون، الواجب، قواعد السلوك لا وجود لها بالنسبة لنا، لكن أولا نتلاعب بكم، نهينكم، نرعبكم، نستمتع بخوفكم، نسخر من محاولاتكم البائسة للبقاء على قيد الحياة، أنتم لستم بشرا، أنتم مخلوقات أدنى من البشر، الانحطاط هو معيار الأخلاق الوحشية، هى مسيرة البطولة، الإبادة الجماعية هى الخلاص!.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية