تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أنا ليلى!
هناك إجماع على أن فلسفة (ابن رشد) الأوسطية العقلانية كانت الأساس الفكرى لنهضة الغرب فى أوروبا عندما انتقلت إليها عن طريق الترجمة وتأثيره على المفكرين ورجال الدين هناك حتى نهضت أوروبا بالاعتماد على التفكير العقلانى العلمى المنضبط، بينما تأثير فلسفة وروحانية مولانا (محيى الدين بن عربي) لا تأخذ نفس النصيب من الإجماع مع أنها واضحة فى الفلاسفة المثاليين مثل كانت وهيجل وباركلى الذين جاءوا من بعده وبنوا فلسفتهم على فكرة (ابن عربي) البرزخية فى عالم الخيال!
ويظهر أثره فى الكوميديا الإلهية الشهيرة (لدانتى إليجيرى) الذى صور الجنة والنار معتمدا على الخيال وعلى الحقيقة القلبية كخلفية لإنتاج المعرفة، كذلك فكرة وحدة الوجود عند كل من (جوردانو برونو) و(إسبينوزا) اللذين جاءا من بعده بقرون، وإن اختلفت وحدة الوجود الإلهى بينهما، فهما وحدا بين الطبيعة والذات الإلهية، بينما (ابن عربي) يراها وحدة وجود روحية، أى أنه ليس للعالم وجود مستقل بذاته، بل هو انعكاس لوجود الله، وظهر من تجلياته سبحانه وتعالى، فهناك تفرقة بين الحق والخلق، كالتفرقة بين الجوهر وأعراضه، وهما فى الواقع حقيقة واحدة، ويسميها الصوفية أتباع (ابن عربي) وحدة الشهود وهى شكل من أشكال التوحيد الخالص، فلا يرون شيئا إلا ويرون الله معه، وهو معنى مغاير لفكرة الاتحاد والحلول، فهى كما يراها الراحل (محمد سعيد البوطى) أن ترى الله من خلال الكائنات فى العالم، فالله هو الوجود الواجب الوجود فى ذاته، وخالق الموجودات بالعالم، فهناك غيرية بين الوجود والموجودات!
وضع (ابن عربي) نظرية فى الخيال هى نظرية فى المعرفة، تعتمد على القلب، وهو المتقلب بين العقل والخيال، فيحتاج المسار العقلى للفلاسفة إلى الحدس العقلى الصوفى لفهم الحقيقة الإلهية، فهناك البصر وتكمله البصيرة لإدراك إعلان الله عن نفسه، من خلال تجلياته فى العالم، ويمثله عالم الخيال أو البرزخ، وهو عالم الجبروت، الذى يفصل بين عالم الغيب وعالم الشهادة الحسى، وفى عالم الخيال – وله مراتبه – يصل فيها الصوفى إلى عالم المثال بطاقة الخيال الخلاقة، عند أصحاب المشاهدات القلبية والبصائر المفتوحة حيث يتحد الروحانى غير المرئى مع مادية المرئى، لتتخذ المعانى المجردة هيئتها الرمزية، وتنفتح المعانى إلى آفاق عدة، تتعدد بتعدد السالكين، ولا تنحصر فى صورة واحدة حيث يرفض فيها المؤمنون بعضهم البعض! فالمعنى لا ينفصل عن ذات العارف! فالعلاقة جدلية بين الذات والموضوع فى التجربة!
التجربة الصوفية تقود إلى دين الحب الذى لا ينكر على أحد معتقده، فالله سبحانه أوسع وأعظم من أن يحصره عبد فيما يعتقده، فيقول ابن عربي: عقد الخلائق فى الإله عقائد، وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه! هذا الخيال يقود للإنسان الكامل بالمعنى الصوفى – فالكمال لله وحده – ولكن الإنسان الكامل آية الله فى الارض ، هو الذى جعله الله خليفة له على الأرض، ومن يفتش منا عنه قد يجده فى أقرب الناس إليه، لو تمتع ببعض الخيال العربى، وتخلى عن ماديته الحسية، وقد وجدته شخصيا فى الزوج الراحل (مرسى عطا الله) الذى تتجسد فيه معانى الإنسان الكامل صاحب الخيال المطلق، الذى لازمه منذ نعومة أظفاره فى مدرسة الفرير بطنطا، وقاده خياله الخلاق إلى مدرسة السعيدية وكلية الزراعة فى القاهرة، فخياله كان سر نجاحاته المتتالية على مدى ملحمته العلمية والعملية، فكيف له من دون الخيال والحدس الداخلى، من التوفيق فى المخابرات الحربية فى حرب أكتوبر ليصبح مساعدا للمتحدث العسكرى (شابا)، إلى إنشاء جريدة الأهرام المسائى فى (24) ساعة بعد حرب الخليج المفاجئة (كهلا)، إلى إنقاذ مؤسسة الأهرام الجريدة الكبرى من عثرتها المالية (شيخا) ، وكذلك عند توليه رئاسة نادى الزمالك فى ظل اضطرابات وصراعات استطاع تجاوزها وأن يضرب نموذجا مثاليا لقدرة الخيال على تحقيق المحال عقلا، إلى حقيقة، بفضل الفناء فى الله فاستمد منه القدرة على الخيال وأطلق للمحيطين به عنان خيالهم فى عالم المثل العليا، معتنيا بتهذيب نفسه، غير مستكثر ما يقتنيه من الفضائل، ومستعظما لليسير من الرذائل! فكان القدوة الخالدة من عالم المثل لعالم البشر!!
كما ارتقت علاقتنا الزوجية بفضل الخيال إلى مراتب قصوى عبر عنها (قيس بن الملوح) عندما سألوه عن ليلى التى تركته ولا يراها ومع ذلك لا يكف عن ذكرها فى أشعاره، فقال: أنا ليلى، فقد أفنى نفسه فى ذاتها، فأصبحا كيانا واحدا ،كذلك أقول: أنا مرسى عطا الله.
شكا ألم الفراق الناس قبلى وروع بالنوى حى وميت / وأما مثل ما ضمت ضلوعى فأنى ما سمعت ولا رأيت.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية