تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

التعبير واعتبار المرأة!

من بين تعريفات الثقافة أنها الفرق بين مجرد الوجود كباقى الكائنات غير الإنسانية، وبين الوعى بالوجود الذى يميز الإنسان، فهو يضفى على وجوده معنى بالقيم والمثل العليا ودوره فى الحياة، وقد أثيرت ضجة شغلت الناس على وسائل التواصل الاجتماعى عن دور المرأة ومكانتها فى المجتمع، وأثارتها المرأة نفسها من شخصيات على قدر كبير من التعليم، لا يتم التوقع منهن التجمل بهذا اللغو! اللغو الكلام غير المنطقى المغاير للواقع وللتصور العقلي، ولا فائدة ترجى من ورائه،

 

فهناك من أبدت تبجيلها للرجل الزوج، حتى إنها تحمل تراب حذائه على رأسها، وهناك من أفتت بأنه ليس على المرأة إرضاع صغيرها، والنقيضان تعرضا لسخرية لاذعة تغنى عن الرد، فلا يعقل أن نناقش دور المرأة وموقفها من أسرتها ومجتمعها بهذا اللغو، الذى لا نستطيع البناء عليه، وقد قال تعالى «لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم» الواقع ينطق بدور المرأة ومكانتها، فهى تستمد تلك المكانة من الدور الذى تقوم به، فهى لا تبخل لا بقلبها ولا عقلها ولا روحها فداء لأحبائها.

 

أما تسفيه دور المرأة وتحقيرها فهى مشكلة اجتماعية حضارية، فيقاس تقدم المجتمع بمدى عقلانيته فى تناول الأمور، فالحضارة نسق اجتماعى عقلانى مضاد للبربرية والبداوة، وعندما يتأرجح المجتمع ما بين الحضارة والبداوة يسىء تقييم دور المرأة، ولا يحترم مكانتها مثلها مثل الأمور الأخرى غير العقلانية كالإيمان الشكلى والتشبث بالخرافات والدجل والانفعال وغيرها من التفكير اللاعقلاني.

وأعتقد أن دور المرأة فى الواقع لا يحتاج إلى إيضاح مع درجة التطور الحضارى التى وصلنا إليها، رغم الهجمات الرجعية الممولة خارجيا لتخريب الأوطان العربية، بفرض النموذج الدينى البدوى المتخلف، الذى يحجر على المرأة شكلا وموضوعا، وأعتقد أن انحسار هذا النموذج يعود للتقدم الحضارى الذى أريد إيقافه وتراجعه، لأهداف سياسية كونية، إلا أن المجتمع ونسقه العام نفر من هذا المصير المتخلف، واسترد عافيته ليقر لكل الأفراد بمن فيهم المرأة ودورهم الاجتماعى المحترم، خاصة دور المرأة الذى أشاد به أمير الشعراء (أحمد شوقي) بقوله: قم حى هذه النيرات حى الحسان الخيرات / وأخفض جبينك هيبة للخرد المتحفزات / رضن التجارة والسياسة والشئون الأخريات / ومصر تجدد مجدها بنسائها المتجددات!

ما أثار قلقى ليس الآراء المتناقضة عن المرأة، التى جاءت من امرأة، لأن دور المرأة بيدها وقرارها، فالمرأة كما ترى المفكرة الفرنسية (سيمون دى بوفوار) لا تولد امرأة بقدر ما تصير امرأة، فمن ترغب فى التهميش والسلبية والدونية ستكون كذلك!

وكم سبق أن تعرضت النساء من ظلم من كبار الفلاسفة والمفكرين، ولكنها استطاعت أن تتجاوز هذا الظلم بجهودها وكفاحها فى ظل التطور الحضارى للمجتمع كله، فقد كان (سقراط) يرى أنها كائن مشوه لا يمكنه ممارسة الفضائل، وكذلك (أفلاطون) أبو الفلسفة الذى كان يزدرى أمه لأنها امرأة، بينما يرى (أرسطو) أنها مجرد وعاء للجنين، لأنها تعانى خطأ طبيعيا فى عدم قدرتها على إفراز المنى! كأن الرجل قادر على تكوين الجنين بدون البويضة!

ولم يعش الفيلسوف الألمانى (نيتشه) ليرى أنها ليست كالقطط والكلاب كما قال، وأنها نصف المجتمع الضعيف الذى يحتاج إلى دين يقدس الضعفاء!

وجميعهم كانوا يحتاجون لعلاج نفسى من تجاربهم السيئة مع النساء فى حياتهم، مثل الفيلسوف الألمانى (شوبنهور) الذى لا يرى فى المرأة لا ثقة ولا احتراما ولا تذوقا للفن ولا حتى جمالا!!، وذلك بسبب علاقته السيئة بأمه الذى يرى أنها سبب انتحار والده! هذا اللغو المهين لاعتبار المرأة وغيره لا يقلقني، لأنه لا يعبر عن حقيقة دور المرأة، ولا ينقص من مكانتها لأنه مناف للواقع والدور المركب لها فى كل المجالات،

ولكن ما أقلقنى أمر جانبى من هذه الزوبعة، وهو طريقة التعبير المتدنية التى هى امتداد لانهيار مستوى التعبير العام فى الخطاب السياسى والرياضى والفني، وأهمية التعبير عن المشاعر بأسلوب راق مهذب أمر إلهى فيقول تعالى «وقولوا للناس حسنا»، فالتعبير عن كل العواطف والآراء يحمل فى ذاته الهدف من الحياة، ويعمق الإحساس بالمعنى، وأن حياة الفرد جديرة بالاهتمام، ويعزز الروابط بين الناس، القائمة على التبادل والمشاركة، وعندما يستقيم التعبير يجدد الاعتبار لجدوى حياتهم وعواطفهم وأعمالهم، ومن أجل تفجير ملكات التعبير اخترع الإنسان الفن والشعر والرسم وحتى الرقص، ويقاس كل منتج فنى بمدى تعبير مفردات العرض منفصلة ومندمجة عن الفكرة الإنسانية المطروحة فالتعبير اعتبار للحياة.

أعتقد أن الرجل الحقيقى لن يسعده أن يهيل تراب حذائه على رأس حبيبته، ولا هى كذلك، ولدينا مخزون هائل للتعبير الحسن عن هذه العلاقة، فى أشعار وأغانى الأجداد ما لا يعد ولا يحصى، لمن يهتم بالتعبير اللائق، الذى لا يفرط فى اعتبار المرأة .. فما رأيكن فى قول سيدة سيدات العرب (أم كلثوم): ياللى مليت بالحب حياتى .. أهدى حياتى إليك .. روحى .. قلبى .. عقلى .. كلى ملك إيديك؟! أليس تعبيرا بسيطا وعميقا عن اعتبار الطرفين بعضهما لبعض!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية