تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أحلام دراكولا البريئة!
لاحظت منذ سنوات تغير المنظومة القيمية فى الافلام الامريكية، لا لبعدها عن الروحانيات، لكن لبعدها عن فكرة الخير والشر، او الصح والخطأ، وأصبح الجيد هو الانتصار فقط، على المخالفين الاعداء، الذين يمانعون حصول البطل على اللذة التى يطمح اليها ويريدونها لانفسهم، واصبح الصراع بين المتسابقين على المنافع، لا بين الخير والشر.
التجاوز عن مفهومى الخير والشر فى المجتمع ينبئ بانهيارات حضارية لا تخطر على بال، فإن كان من الجائز ذلك مع الدول لبحثها فقط عن المصالح، وهو ما يحفل به التاريخ من شرور خلقتها الدول المتقدمة على حساب الضعيفة، فإن ذلك لا يجوز فى حياة الفرد ومجتمعه، فهما مرتبطان،
فالمجتمع شريك للفرد فى تفاصيل حياته، ويحدد له الدور الاجتماعى وفق معايير اخلاقية محددة، وان اختلفت من مجتمع لآخر لكنها فى مجملها تدور حول القيم الاخلاقية الملزمة للجميع، وتحدد سلوكهم تجاه بعضهم البعض، ويكتسب الفرد المكانة والمنزلة اللائقة التى يرضاها لنفسه وتصبح مصدر متعته، وهى ظاهرة اجتماعية مستمدة من صحة التوقعات التى ينتظرها المحيطون به وتطابق ما اتفقوا عليه من خلق ومعايير تحدد السلوك،
ويتسابق الناس لإحراز المكانة الاجتماعية حسب مالديهم من مهارات وقدرات عقلية للوفاء بواجبات المكانة، ووصفها العالم (كيرت ليڤين) بالمجال الاجتماعى سواء كان ريفيا او حضريا او صحراويا…. كلً له قيمة. ثبت من ذلك ان التفاعل الاجتماعى يحتاج إلى قيم ومعايير لتحديد الاتجاهات والادوار السلوكية لضمان إشباع الرغبات وتبادل الاحتياجات مع شركاء الدور، حتى تتحدد الافعال وردود الافعال، وفق توقعات معروفة سلفا فى البناء الاجتماعى، الذى يضم افراده كلهم. هذه الافلام الناجحة شعبيا تكشف عن تحولات اجتماعية جديدة فى سيرورة الحضارة الغربية، التى تطورت عبر العصور لتصل لنسق اجتماعى متجانس ينطوى على التقدم العلمى والتقنى والفنى والقدرة الفائقة على التحكم فى الطبيعة عقلانيا، لكنها وصلت الى مرحلة من التطور فوق قدرة استيعاب الانسان العاقل صاحب القيم والمبادئ التقليدية، فرقمنة الحضارة والوصول للذكاء الصناعى يهدد وجود الانسان نفسه لصالح الانسان الخارق الذى بدأ فى الظهور مع سيل البيانات وهوس المعطيات الجديدة، التى تغير من عقل وقدرات الانسان، ولم تعد تلتفت للقيم التقليدية واصبحت البشرية كالقطيع المستلب فى عصر آليات السيطرة الذهنية فى حضارة كونية لا تترك خيارا للمتخلفين عن حتميتها الرقمية!!
فلم يعد المعيار الخير والشر بل المسيطر والتابع، المهيمن والمستلب، فلم يعد الإنسان يملك السيطرة على وعيه فى ظل هيمنة التقنيات النفسية للتكنولوجيا الرقمية التى سماها (يوفال حراري) الإنسان الإله!!!!
يرى (حراري) ان تأثير القوى الناعمة على الوعى يخضعهم لدين مستتر للعلامات التجارية والاعلانات فى تيك توك وانستجرام وفيسبوك، وتحولت الشركات الكبرى كجوجل وسامسونج وآبل إلى آلهة جدد، فبضغطة ذر تستطيع ان ترى العالم وتصبح بكل شيء عليما!! الانسان توهم القوة ولايدرك انه تحت السيطرة لمن يفهم له الحياة كما يريد ان يوجهه بعيدا عن الحياة الواقعية التى زهد فيها واصبح عبدا فى العالم الافتراضى بقوة الإيحاء وتوجيه الشعور!
القيم الهوليوودية ليست منعزلة عن التغيرات الحضارية وتدور فى فلكها بتمجيد المغامرة والاستهلاك والبحث عن اللذة بكل الطرق على انها سبيل السعادة، وعبر (دراكولا )فى فيلم رينفيلد الجديد عن هذا التحول فى سيرورة الحضارة بقوله: العالم اصبح مخيفا غير آمن مليئا بالحزن والانكسار واليأس ويحتاج الى قوة جبارة تحكمه إلى إله جديد لا يموت وينقسم العالم فيه لا الى أشرار وطيبين، ولكن الى سادة وعبيد وليس على السادة التكيف مع طالبى الطعام ، بل عليهم هم التكيف مع السادة وفق معاييرهم الجديدة. بهذا المنطق يقدم (دراكولا) نفسه ليحكم العالم وينقذه من الفوضى والغموض والخوف من خلال احلامه البريئة للسيطرة!!!
التقنيات الحديثة هى (دراكولا) الحديث فهى قادرة بكل براءة على السيطرة عليك، بفهم مشاعرك واطماعك ومواطن ضعفك وتوجيهها نحو الغرض الذى تريده، بأن تصبح البشرية موحدة تحت قبضة السادة الجدد ملوك التقنيات الحديثة واستلاب الانسان فى دوامة التقنيات والاستهلاك، تمرد (رينفيلد) فى الفيلم على قواعد دراكولا الذى يرى ان الانسانية تقدم مفهوما متشابكا عن الاخلاق، بينما قواعده واضحة وبسيطة بان بإمكانك تقتل وتعيش للابد!!!
وكما نجح (رينفيلد ) فى الاحتفاظ بانسانيته ضد هيمنة دراكولا تحاول الإنسانية عن طريق الفلاسفة العقلانيين الحفاظ على سيرورة الحضارة فى مسار اكثر انسانية!!! فهل ينجحون!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية