تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. هويدا مصطفى > التليفزيون وصناعة التثقيف

التليفزيون وصناعة التثقيف

وهناك من يضيف وظيفة رابعة تثير العديد من الإشكاليات والجدل وهى التثقيف، فتبدو كل من الوظيفتين الأوليين وهما الأخبار والترفيه هما الأكثر بروزا مع تداول وانتشار مصطلح Infotainment اذ تنبنى عليهما أجندة المشاهد، أما وظيفة التعليم والتثقيف فتبدو وظائف عرضية ثانوية فى كثير من الأحيان، سواء على مستوى المؤسسة الإعلامية التى تسعى الى مردود سريع لهذه الوظائف، أو على مستوى إدراك ووعى الجمهور بمردودهما لأن المشاهدين عادة - سواء بشكل غريزى او واع - لا يضعون تصورا محددا لإشباع احتياجاتهم التعليمية والتثقيفية من خلال التليفزيون، فيبدو فعل التثقيف فى علاقته بالوظائف الأخرى كأنه ظل أو نتاج لها غير مخطط له غالبا، ففى الوقت الذى تبدو آثار فعل الترفيه والإخبار واضحة ومباشرة يظل فعل التثقيف وآلياته له طبيعة غير مباشرة يميل الى الإشباع الذهنى، فى حين تجنح الوظائف الأخرى الى الإشباع الحسى فلا يملك التليفزيون سلطة مباشرة للتثقيف سوى قدرته على الجذب والابتكار والإبداع.

 

وتثير وظيفة التثقيف تساؤلات إضافية مع التطور الذى يشهده التليفزيون بمواصفاته الجديدة مع ما أصبحنا نطلق عليه التليفزيون التقليدى فى مقابل الوسائل الرقمية، فضلا عن نوعين من التليفزيون هما التليفزيون العام والتليفزيون الخاص و أضيف لهما التليفزيون الشامل فى مقابل التليفزيون المتخصص، وايضا مع تنامى Web TV الذى انتشر بشكل كبير عبر المنصات الرقمية، اختلفت النظرة الكلاسيكية للتليفزيون والتى كانت فى أزمنة سابقة تنطلق من وظيفة تربوية توجيهية مباشرة الى فضاء واسع غلب عليه الترفيه لجذب أكبر عدد من المشاهدين وسط هذا التنوع والتعدد والاتجاه الى تجزئة المشاهدة، حيث لم تعد وسائل الإعلام تستطيع أن تخاطب الجماهير العامة بشكل مطلق كما كان يحدث من قبل، بل تستهدف قطاعات معينة، وبالتالى لم يعد تأثير وسائل الاعلام تأثيرا جماهيريا مباشرا ومضمون التأثير.

فاذا كان التليفزيون التقليدى قد تأسس على أنه مشروع تربوى ثقافى وشعبى له ثلاثة ملامح ( نقل المعرفة، توجيه المتلقى، ترتيب العلاقة بين مالكى المعرفة ومتلقيها)، فالتليفزيون الذى نطلق عليه التليفزيون الجديد يتأسس على التواصل التفاعلى ويقوم على برمجة تعتمد على (إثارة الأحاسيس والمشاعر، وإشراك الجمهور، واعتبار المعرفة ملكا للجميع ويمكن تقاسمها) وهذه البرمجة التى تعتمد على التدفق مع عدم التمييز القاطع بين الوظائف أو نوعية الجمهور الذى تتوجه اليه أو مستواه الفكرى، وبالتالى اصبح هذا التدفق يضم فقرات كانت معزولة فى التليفزيون التقليدى تحت مسمى وقوالب جامدة يطلق عليها برامج ثقافية وعلمية تستهدف نمطا محددا من المشاهدين، فكان هذا الاسلوب يلائم زمنا معينا، بينما هذا التدفق أتاح لمفهوم أو وظيفة التثقيف أن تتغير فلم يعد مضمونا جامدا محجوزا لطبقة محددة فى المجتمع وفى قوالب جامدة ثابتة، بل أصبح مفهوما يخترق مضامين متعددة بآليات مستحدثة، منها، إعمال مبدأ التفاعلية كآلية لإشراك الجمهور، تحويل الأخبار والترفيه الى أدوات تثقيفية ، تغليب الوجدان ومنح الأولوية للعاطفة بدمج عناصر الثقافة فى أطر مبسطة وقوالب مرنة تمزج المعلومة بالترفيه كبرامج المسابقات والمنافسات، وتشبع الاحتياجات المعرفية بالأطر الوجدانية، فرأينا الأفلام والبرامج التسجيلية تمزج السرد الواقعى بالدراما المعبرة فنجح كثير من هذه المواد فى جذب المشاهد وتعريفه بالعديد من الشخصيات والرموز والوقائع والأحداث التاريخية، برامج تمزج العلم بالتكنولوجيا وتدعم المبتكرين وأصحاب المشروعات والابتكارات .

فالتليفزيون يحتاج الى تبنى سياسات برامجية لمحتوى ثقافى عام يجعله يستلهم جميع الوظائف فى تفاعلاتها وجدليتها من أجل إيجاد صناعة للتثقيف تتيح للجمهور الاستفادة من جميع وظائف التليفزيون دون أن يحاول استقطاب المشاهدين بوظائف وأدوار محددة على حساب الأدوار المهمة و العميقة الموكلة اليه، حيث ظلت بعض السياسات البرامجية فى بعض القنوات تستند الى قاعدة ثبت عدم صحتها وهى التناقض بين مايريده الجمهور وما يحتاج اليه بالفعل، فلا تناقض بينهما بدليل نجاح العديد من البرامج و الأعمال التى حققت المعادلة بين الاحتياج و الرغبة، وربما ما أشار اليه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الإشادة ببعض البرامج مثل العباقرة والدوم يثبت إمكانية تحقيق هذه المعادلة بنجاح، فهذه البرامج تمزج الترفيه بالثقافة وتنمية المواهب وإذكاء روح المنافسة الايجابية..

النماذج كثيرة فى هذا الشأن منها على سبيل المثال برامج متعددة و أعمال درامية متميزة قدمتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ودعمتها بإطلاق منتدى المتحدة للإبداع لاكتشاف المواهب فى المجالات الإبداعية والثقافية المختلفة، وكذلك شاهدنا نماذج من إنتاج وثائقيات وأفلام تسجيلية وبرامج وأعمال درامية وتنويهات واستحداث آليات وقوالب فنية تحيى رموزنا الثقافية والفنية وتعطينا معلومات عن أعمالهم ومسيرتهم الإبداعية، وبذلك تحققت معادلة الدمج بين ماذا نرغب و ماذا نحتاج.

وهذه الأعمال والأنماط من البرامج ذات المضمون الثقافى لا تحدها عوائق تتعلق بالإمكانيات المادية أو غيرها,هى فقط تحتاج الى ابتكار الأشكال والقوالب الجاذبة لتنمية حس المشاهد المعرفى والوجدانى، ونحن نفتخر بأن لدينا الكثير من الرموز والنماذج فى مختلف فروع العلم والمعرفة والفنون والآداب يمكن أن تكون رافدا مهما لمحتوى ثقافى ينفذ الى خريطة وسياسات برامجنا التليفزيونية سعيا لدعم صناعة تثقيف المشاهد المصرى وتنمية وعيه.

> عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية