تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
يوم مع «المغامرون الخمسة»
لم نرتبط عاطفيا بعمل أدبى مثلما ارتبطنا و«التصقنا» بسلسلة «المغامرون الخمسة».
هذه السلسلة التى بدأ صدورها 1969 كانت موجهة خصيصا لقراء فى سن المراهقة، ولكنها مع ذلك، نجحت لاحقا فى اجتذاب جمهور أوسع عمريا، وعلى مر عقود، بداية من جمهور «ميكى» و«سمير»، ونهاية بشبان وفتيات، بل وأجيال أكبر سنا وثقافة، من جمهور نجيب محفوظ و«إحسان» ويوسف إدريس.
كانت هذه السلسلة السهل الممتنع بحق، فلم تكن تقدم فى كل رواية فقط قضية أو لغزا بوليسيا مثيرا محبوكا بعناية، بقدر ما كانت تقدم «عالما» كاملا، وتركيبة رائعة من الأخلاق والذكاء والتفكير والمعلومات والثقافة، والولاء للوطن.
صحيح أن الفكرة بدأت أصلا بترجمة روايات محدودة من سلسلة بوليسية بريطانية مشابهة اسمها «كاشفو الأسرار الخمسة» أو الـ Five Find-Outers، ولكن ما كتبه و«ألفه» محمود سالم بعد ذلك بنفسه بعد ذلك، وبلغ قرابة المائتى رواية، كان إنتاجا مصريا عربيا خالصا.
كان النجاح مثيرا، فى مصر والعالم العربى، وكان ملهما أيضا، فظهرت محاولات استنساخ كثيرة، فى صورة مغامرين «أربعة» أو «ثلاثة» أو حتى «الشياطين الـ13»، ولكن دون زخم حقيقى، وحتى كل محاولات تحويل قصص المغامرين الخمسة إلى فيلم أو مسلسل أو حتى «كارتون»، باءت بالفشل!.
نتحدث عن خمسة مغامرين، أعمارهم بين 13 و16 سنة، من أسر ميسورة، تقيم فى حى المعادى، يتحلون جميعا بالخلق الرفيع، والشجاعة، واحترام الكبير، وحب الوطن.
يجدون متعتهم فى التعاون مع السلطات وخدمة العدالة لمحاربة الجريمة وكشف غموض جرائم وقضايا متنوعة.
«توفيق»، أو «تختخ»، هو زعيمهم، وكلبه البوليسى «زنجر» لا يقل عنه ذكاء وشجاعة، وباقى المغامرين هم: «عاطف» وشقيقته «لوزة»، أو «عبداللطيف» و«زكية»، ثم «محب» وشقيقته «نوسة»، أو «محبوب» و«سنية».
ومن الأبطال الرئيسيين معهم: المفتش «سامى» رجل المباحث الوسيم الذى يثق دائما فى قدرات المغامرين، والشاويش «على» أو «فرقع»، شاويش المعادى التقليدى، الذى يشكو دائما من تدخل المغامرين فى عمله!.
كنا ننتظر صدور قصصهم بشغف.
مع مطلع كل شهر، كانت هناك رواية جديدة، أو «لغز» جديد مثير.
كان «اللغز» بالحجز المسبق عند باعة الصحف!
والطلب على «الألغاز» مستمر حتى يومنا هذا!
طبعا، معظم أحداث القصص كانت تدور فى المعادى، إلا أن المؤلف كان بارعا فى الانتقال بالأحداث والحركة إلى أحياء ومناطق القاهرة المختلفة، من حلوان والمقطم إلى شبرا ووسط البلد، و«صحراء» المعادى! وحتى جزيرة الدهب فى النيل.
وهناك ألغاز عديدة دارت أحداثها فى مدن مصرية مختلفة، كالإسكندرية والعلمين ومطروح ورأس البر وبرج البرلس وبلطيم، وحتى أسوان والوادى الجديد، وهناك روايتان فقط دارت أحداثهما خارج مصر.
و«اللغز» كان عبارة عن قصة بوليسية يتدخل المغامرون لكشف غموضها، من جرائم سرقة وخطف وتزييف وتهريب، إلى الجاسوسية، بل ووصل الأمر إلى درجة مشاركتهم بأنفسهم فى «حرب»، وذلك فى لغز اسمه «جاسوس السويس» تدور أحداثه فى مدينة السويس إبان معارك أكتوبر 73 المجيدة!. كان المغامرون منا، ومثلنا، وكأنهم يعيشون بيننا. كانوا مثلا أعلى لأبناء جيلنا، فى ذكائهم، وأدبهم، وتفوقهم الدراسى، وحبهم للوطن، قبل ظهور «مسخ» السوشيال ميديا.
من منا لم يزر المعادى يوما، دون أن يتخيل أنه يمكن أن يلتقى «تختخ» راكبا دراجته ومعه «زنجر»، أو سيصادف باقى المغامرين يتناولون الآيس كريم فى كازينو «الجود شوط» على الكورنيش؟!
من منا لم يتجول بين فيلات الحى الراقى، وهو ينتظر مشاهدة المغامرين جالسين فى حديقة منزل «عاطف»، وهم يشربون عصير الليمون المثلج مع المفتش «سامى»؟!
صدقناهم، وصدقنا حكاياتهم، واقتنعنا بكل أنواع الصدف والمبالغات فى قصصهم، ومازلنا كذلك، رغم إدراكنا تماما أنهم أشخاص غير حقيقيين .. كيف؟ لا أحد يعرف!
.. إنه الإبداع فى ذروته!
وما يقال عن «زمان» و«أيام زمان»، يقال أيضا عن «عصر» المغامرين الخمسة!
قصصهم كانت «آمنة» تماما .. لغة نظيفة راقية، فلا حب، ولا تلميحات، ولا ألفاظ خارجة، ولا أفكار شاذة، ولا مشاهد دماء وسكر و«تحشيش»!
قصصهم الآن هى ذروة «النوستالجيا»، و«تأريخ» مثالى لحقبة لن تعود.
صعب، بل مستحيل، أن يعيش المغامرون فى أيامنا هذه.
قرأت «صدفة» لغزا حديثا لهم اسمه «السلعوة» ألفه محمود سالم نفسه، وكانت من بين أحداثه الموبايل والنت والمترو وزحام القاهرة، فلم أقتنع، ولم أستمتع، ولم أصدق!.
.. ومع ذلك، يشغلنى سؤال هو :
أين المغامرون الخمسة الآن؟!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية