تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مصر .. و«اليابان الجديدة»
70 عاما مرت على بدء التعاون التنموى بين مصر واليابان، وما زال فى جعبة البلدين الكثير، والكثير.
وفى هذه الأيام تحديدا، يحتفل اليابانيون بعيد ميلاد الإمبراطور، العيد الأهم عندهم، نظرا لأن الإمبراطور الحالى ناروهيتو هو الإمبراطور الأخير فى العالم، وكان قد اعتلى العرش بعد تنازل والده أكيهيتو عام 2019.
فى مصر، نعرف عن اليابانيين الذكاء، والأدب، والجدية، والعمل حتى الإغماء، والإبداع، ونعرف عنهم أيضا الإلكترونيات والاختراعات، وفن اللا ممكن واللامعقول فى كل شىء، من تكنولوجيا الفضاء، وحتى «فخامة» ونظافة دورات المياه، ولكن، مشكلتنا أننا فى مصر، لا نعرف عنهم أكثر مما يعرفون هم عنا، صحيح أن علاقات الصداقة قائمة، وهناك شواهد عليها فى بلادنا، مثل دار الأوبرا، ومترو الأنفاق، والمدارس اليابانية، والتوكاتسو، وماركات السيارات، والأجهزة الكهربائية، و«كابتن ماجد»، ورشوان، ولكن علاقتهم بنا، بصراحة، أكثر عمقا وجدية.
تاريخ مصر القديمة يدرسه طلاب الابتدائى فى اليابان بتفاصيل أكثر مما يدرسه أبناؤنا. «رحلة مصر»، هى رحلة الأحلام بالنسبة لأى يابانى، وبخاصة كبار السن منهم. صورة وفد «الساموراى» اليابانيين أمام أبوالهول لدى توقفهم فى مصر عام 1864 فى رحلتهم إلى أوروبا هى الصورة التى اختارها السفير اليابانى هيروشى أوكا ليزين بها مدخل مقر إقامته فى القاهرة، وصور ملوك مصر القديمة أيضا تزين مكتب محافظة طوكيو يوريكو كويكى، هناك، والتماثيل الفرعونية أيضا هى التى تزين الواجهة الخارجية لمبنى سفارتنا فى طوكيو.
هذا جميل، ولكن المسألة ليست كلها «فراعنة». .. قبل عام من الآن، أجروا فى معهد طوكيو لدراسات الشرق الأوسط أبحاثا ومناقشات حول ما الذى يمكن أن يحدث للاقتصاد اليابانى ومصالح اليابان فى منطقة الشرق الأوسط فى حالة اندلاع صراع إقليمى موسع يبدأ بصراع فلسطينى إسرائيلى!
لم يكونوا وقتها ينجمون أو يضربون الودع، وهم أبعد ما يكونون عن إهدار الوقت فى «التنظير»، ولكن هذه هى اليابان التى لا نعرفها. فالأبحاث والدراسات و«تشغيل المخ»، والتعمق فى التفاصيل، من أسرار تميزهم.
فمصر بالنسبة لهم شريك سياسى وتجارى كبير جدا فى المنطقة كلها، سواء العربية، أو الإفريقية. لا نتحدث عن 50 شركة يابانية تعمل على أرض مصر، ولا عن تبادل تجارى يتخطى ١٫٣ مليار دولار، ولكن عن شبكة مصالح واسعة قلبها مصر، فالتجارة بين اليابان والدول العربية وحدها تتخطى المائة مليار دولار، والتجارة بين اليابان وإفريقيا «تعافر» من أجل اللحاق بركب الصينيين الذين سبقوهم إلى القارة، ومصر هى بوابة المنطقة، ومدخل إفريقيا، والمتوسط، وصاحبة قناة السويس التى تمر فى مياهها أكثر من 12% من التجارة العالمية سنويا، وتعطلها يقلقهم، لأن منها تمر معظم صادرات اليابان إلى أوروبا، ولذلك، فإن مصر هى «المعرض» النموذجى الذى تقدم فيه اليابان «منتجاتها» وتكنولوجياتها لباقى «زبائن» المنطقة.
واليابانيون «مش بتوع» هبات ولا ضخ استثمارات، فالين عندهم ينفق «بحساب»، ولكنهم تخصص منح تنموية، ومشروعات على أرض الواقع.
تابع بدقة جهد اليابانيين فى مصر، وبخاصة وكالة «الجايكا»، ونشاط سفيرهم تدرك ما أقول: تمويل مصنع لإنتاج الضفائر الكهربائية فى الفيوم، ومشروع لتنقية مياه الشرب فى العياط، ووصول أول سيارة يابانية تشحن نفسها بالكهرباء، وزيارات ميدانية إلى مشروعات المترو والمونوريل والأوتوبيس الترددى والعاصمة الإدارية. هم قريبون منا كثيرا، وينتظرون منا المثل.
واليابان أيضا ليست جنة الله على الأرض، فلديهم من «المنغصات» ما يكفى، فبعبع الحرب النووية لا يفارقهم، والتسرب النووى أيضا صار قصة كل يوم عندهم، وعلاقاتهم مع الجيران الآسيويين متوترة، وعدد السكان يتناقص، وتقادم الأعمار «مصيبة»، فـ 29% من اليابانيين فوق 65، (يحسدوننا الآن لأن نصف سكان مصر شباب)! اقتصادهم يتقهقر عالميا بعد أمريكا والصين وألمانيا، وربما بعد الهند قريبا، والتضخم يضرب الأسر اليابانية بقوة، والأجور غير قادرة على مواكبة الأسعار، وضغوط العمل رهيبة. فى مترو طوكيو «عادى» جدا أن تجد رجلا يبكى بالدموع، ربما لأنه خسر وظيفته، أو عاقبوه فى عمله، والمرأة تعانى التمييز فى أماكن العمل، حتى الجريمة بدأت تضرب المجتمع: خناقات، سرقات دراجات، عمليات سطو، ومؤخرا، أب وأم يقتلان رضيعهما بالسم، ومع كل هذا، فاليابان تبقى اليابان، والأزمات الحالية تجعل فرص تعاون مصر معها سانحة، ولا نهائية، ومربحة للطرفين، فكل منهما يصلح لأن يكون «رئة» للآخر.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية