تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
للمتحف وطن يحميه
شاب يقرأ القرآن بصوت مرتفع في مدخل المتحف الكبير. آخر يعمل علامة «قرنين» لتمثال أحد ملوك مصر القديمة. فتاة مصرية تلح على سائحات أجنبيات لكي يرددن عبارة «مصر أم الدنيا». شاب يبدو من لهجته أنه من جنسية دولة عربية «ضاعت»، يتجول بكاميرته بين تماثيل الملوك والملكات، وهو يسخر من أسماء الفراعنة. نخبة من بعض التصرفات الغريبة التي شهدها المتحف الكبير منذ افتتاحه، تثير القلق من احتمال تدهور الأمور أكثر من ذلك إذا ظلت أروقة وقاعات ومداخل ومخارج المتحف هكذا، بدون ضابط أو رابط.
وأكثر ما يخشى منه أن يتطور الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك خلال الفترة المقبلة، ليصل إلى درجة الشخبطة والخربشة، وكتابة «أحمد ومنى»، و«للذكرى» على التماثيل والآثار المعروضة.
والأخطر من ذلك، أن يتحول المتحف إلى مكان مناسب لتفريغ طاقة كراهية مصر والمصريين وتاريخهم، ثم تصدير هذه المشاهد إلى العالم الخارجي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لإظهار الأمر لزائر المتحف على أنه «غير آمن». ومحاولات التشويه أو التخريب ليست مستبعدة. وهناك خطاب متشدد يحاول تهيئة الأجواء لذلك. لا تلوموا الشاب الذي ظهر على «السوشيال ميديا» وهو يتلو القرآن بصوت مرتفع داخل المتحف، ومعه شاب آخر، يصوره بالمحمول، ولكن لوموا من أقنعه بأنه «يخدم الإسلام»، وأيضا من سمح له بذلك، ولم يجد من ينهره!
فالتنطع باسم الدين، وتشويه صورته، سعيا وراء توجيه رسالة مسيسة، أو خبيثة، أو بحثا عن ركوب «تريند» أو تحقيق «ريتش»، صار شيئا معتادا، ومن الواضح أنه «مطلوب» بشدة هذه الأيام، ويحقق مكاسب كثيرة. صحيح أن هذا الشاب قد يكون مجرد متنطع هاو، أو «مستجد»، ولكنه أيضا قد يكون «مدفوعا»، أقصد «مزقوقا»، من هنا أو هناك، وهذا هو الأرجح، خاصة أنه يعرف ماذا يفعل، وتعمده قراءة آيات قصة «فرعون» من سورة «غافر»، معناه أنه يروج لسرديات المتطرفين وكارهى مصر «الخائبة»، لإظهار أنها «أمة كافرة» منذ قديم الأزل، وإلى الآن! ومما يعزز هذه الفرضية أن هذا التصرف «المتنطع» من هذا الشاب جاء بعد أيام قليلة من فتوى «متنطعة» أيضا من أحد مشايخ «بير السلم» وأقطاب «الدين الموازي»، زعم فيها أن زيارة المتاحف شرك بالله، على أساس أن المصريين والأجانب يزورون المتحف لعبادة الأصنام!
طبعا، القرآن جميل، وتلاوته واجبة، والتدبر في آياته عبادة. ولكن هذه النوعية من البشر التي «تتاجر» بالدين، وتعبث به وفقا لأجنداتها المشبوهة، تعيش بيننا، ونعرفها جيدا، ونحفظ أساليبهم عن ظهر قلب.
لدينا «الجار» الذي يترك الراديو مفتوحا على إذاعة «القرآن الكريم» بصوت مرتفع، ليل نهار، متسببا في أذى لجيرانه. لدينا الشاب الذي يصعد إلى المترو ليقرأ القرآن، أو يؤدي الابتهالات، بصوت مرتفع ومنفر، دون مراعاة من يريد الصمت أو الهدوء أو حتى الحديث في التليفون. لدينا سائق التاكسي الذي «يغالط» في الأجرة، ويبتز الزبون، وصوت القرآن الكريم لا ينقطع عن راديو سيارته طوال اليوم «ما شاء الله».
ولدينا صاحب المحل الذي يرفع الأسعار ويحتل الرصيف ويعتدى على نهر الطريق، وصوت القرآن لا ينقطع من داخل المحل طوال اليوم، حتى بعد إغلاق المحل، بحجة طرد الشياطين وحلول البركة على المكان! في المتحف، تبدو الأمور راقية ومتحضرة. ولكن، السلوكيات في حاجة إلى ضبط وربط، وإلى أفراد متخصصين، تكون مهمتهم التنبيه، والتحذير، والنهر، والتعامل بقوة إذا لزم الأمر.
كل تصرف مسيء، يجب التصدي له بحزم، سواء كان بحسن نية، كالحديث بصوت مرتفع، أو انتهاك خصوصية السائحين، أو الاستظراف عليهم، أو بسوء نية، مثل تصرف «الأخ» بتاع سورة غافر. ولا أريد أن أعقد مقارنات بين ما يجب أن يحدث في المتحف، وبين ما تشهده أماكن أخرى يزورها ملايين في دول أخرى، عربية، أو أجنبية. يجب أن يكون للمتحف وطن يحميه. ويا حبذا لو كان هناك حد أقصى مسموح به للزائرين الذين يدخلون المتحف يوميا، حتى تسهل الرقابة والسيطرة. والزحام عادة يفتح عمل الشيطان، وهو الخطوة الأولى نحو «الفوضى»، أو أي تصرف سخيف. ولا ننسى ضرورة أن نقر ونعترف أيضا بأن بعضا من تصرفاتنا وسلوكياتنا مطلوب ضبطها داخل المتحف وخارجه، إذا أردنا حقا أن نتبوأ مكاننا الطبيعي الذي نستحقه كأفضل دولة سياحية في العالم، أو على الأقل تحقيق المستهدف من وصول عدد السائحين إلى 30 مليون سائح بحلول 2030.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية