تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

هذه المرة نظرية المؤامرة لا تصح.

أزمة «فاجنر» صناعة محلية بامتياز، تتحمل مسئوليتها روسيا وحدها.

لم يمنح أحد المال لقادة «فاجنر» ليتمردوا على بوتين وشويجو، ولم يدفعهم أحد للعصيان بكذبة أو وقيعة أو شائعة، ولم يحركهم فى ذلك فساد كما قيل، أو حالة ثورية أو «تجار ربيع»، ولا حتى داء «الخيانة» الذى سيظل يسرى فى نفوس البشر، منذ أن خلق الله آدم، وإلى أن يرث الأرض ومن عليها.

«فاجنر» ليست يهوذا الإسخريوطى الذى خان المسيح، وكتب فيه أحمد فؤاد نجم: «يهوذا خان؟ أكم يهوذا وباع مسيح، لا يهوذا دام، ولا جرح بيلازم جريح».

فاجنر ليست ماركوس بروتوس قاتل يوليوس قيصر الذى قيل فيه «حتى أنت يا بروتوس»، ولا هى «خنفس باشا» الذى خان «عرابى»، ولا هى جيش صدام الذى تخلى عنه فى توقيت قاتل، فنزل من القصر إلى «الجحر».

«فاجنر» سوء تقدير، وضعف حسابات، تتحمل مسئوليته الدولة الروسية.

«فاجنر» خطأ من صنعها، وأمن لها، وأعطاها مفتاح «الكرار» منذ البداية.

لم يكن يفجينى بريجوزجين زعيم «فاجنر» وطنيا ولا ثائرا ولا صاحب قضية عندما تحدث عن تخليص روسيا من أى شىء.

لم يصدقه أحد وهو يتحدث عن الإطاحة ببوتين، ولم يقتنع أحد أن إمبراطورية كروسيا، أو مدينة كموسكو، يمكن أن تسقط أو ترتعد لمجرد أن خمسة آلاف أو 25 ألف مقاتل كانوا فى طريقهم إليها.

«فاجنر» فى الأصل مولود غير شرعى، بدأت كشركة أمن خاصة، على غرار «بلاك ووتر» الأمريكية، أنشأها عسكرى متقاعد اسمه ديمترى أوتكين، ولكنها تحولت مع مرور الوقت إلى منظمة شبه عسكرية، أو «ميليشيا»، بعد أن قدمت مساعدات «قيمة» فى عدة صراعات داخلية وخارجية، أبرزها حرب الشيشان، وفى سوريا وليبيا، وأخيرا فى أوكرانيا، إلا أن الكرملين الذى ارتضى بوجودها، ظل ينكر أى صلة له مع هذا الكيان.

وهنا كانت الغلطة و«الورطة».

لم يكن مقبولا أن ترتضى دولة بحجم روسيا بوجود تنظيم كهذا دون أن تكون لديها توقعات بشأن عواقب ذلك. صحيح أن اتساع الأراضى الروسية، وتعدد النزعات الانفصالية والمشكلات الإقليمية، دفعا موسكو للاعتماد عليها وعلى غيرها، ولكن الخطأ المروع هو أن تسمح دولة ذات سيادة وقوة وتمثل وحدة أراضيها مسألة حياة أو موت بوجود جيش «مواز»، وأن يتنامى نفوذه خارج إطار مؤسسات الدولة، وتحت سمعها وبصرها، إلى أن تحول إلى دولة داخل دولة، يسيطر على أراض، وتوكل له مهام، بل ويملك معدات عسكرية ثقيلة!

جريمة لا تغتفر، حتى اتفاق التسوية مع «فاجنر»، بوساطة بيلاروس، أنهى الأمر بهدوء، ولكنه أضر بالهيبة والسمعة، ولا يبدو أيضا مؤشرا على بداية تصحيح وضع شاذ، بدليل أن المقاتلين الشيشان يؤدون دور «فاجنر» نفسه منذ سنوات، ولكن بصيغة أخرى.

الشيشان الذين يحاربون الآن بضراوة بجانب القوات الروسية فى أوكرانيا، كانوا أول من وقف فى صف بوتين فى محنة «فاجنر»، ليس بسبب «سواد عيون» أحد، وإنما لأن هناك «ثأرا» قديما بين الشيشان وقائد «فاجنر»، منذ أن كان قائدا ميدانيا فى الجيش الروسى عندما قمع الحركة الانفصالية فى الشيشان أواخر القرن الماضى، إلى أن انتهى الأمر بتوقيع اتفاق سلام حصل المقاتلون الشيشان بموجبه فى النهاية على امتيازات ووضع داخل الدولة الروسية لا يختلف كثيرا عن وضع «فاجنر»، وزعيمهم قادروف نفسه اعترف بأن أكثر من عشرين ألف مقاتل شيشانى شاركوا فى الحرب ضد أوكرانيا، من بينهم تسعة آلاف على خطوط الجبهة الأمامية، وهؤلاء يدينون بالولاء التام لبوتين والدولة الروسية، منذ أن منحهم ما يريدون، ووقفتهم معه فى أزمة «فاجنر» لن تكون لله والوطن، فنحن فى النهاية، نتحدث عن ميليشيات، واسم الدلع «مقاومة وطنية»!

والسرعة والحكمة اللتان تمت بهما تسوية أزمة فاجنر، لا تعنيان أن المشكلة انتهت للأبد.

وحتى التعاطف مع الشيشان وقضيتهم لأسباب كثيرة، لا يعنى القبول بمبدأ حملهم السلاح وتكليفهم بمهام داخل الدولة الروسية، تحت أى مسمى.

فقد يصبحون «فاجنر 2» عاجلا أو آجلا.

فهل يتنبه بوتين وقادته لهذه الثغرات سريعا؟

وكيف يفعل ذلك دون أن ينفجر لغم آخر أكبر فى وجهه؟

درس اليوم: «النيات الطيبة دائما هى من تصنع الخيانة».

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية