تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
تسمع «عبدالوهاب»؟
«النفسية» هذه الأيام تحتاج «عبدالوهاب»!
اسمع «عبوهاب»، و«انسى الدنيا»، حتى لو قالوا عنك «دقة قديمة».
لم تأت مصر بفنان فى عظمته، ورقيه، وغزارة إنتاجه، مطربا وملحنا، بل وحكيما وفيلسوفا أيضا.
متوقف عن الغناء منذ نصف قرن، وتوفى منذ 30 عاما، ومع ذلك، لا تزال أغانيه وألحانه «متعة» المتع، لمن أراد فنا حقيقيا.
صورته فى برواز واحد مع سيد درويش، مثله الأعلى، وأم كلثوم، منافسته اللدود سابقا، و«مجدد شبابها» لاحقا، هى بالضبط صورة الأهرامات الثلاثة.
إنتاجه مغنيا، وملحنا، يشبعك 200 سنة «لقدام»، دون الحاجة لسماع غيره.
كل شىء اجتمع فى هذا الرجل «الأيقونة»، الذى أعلى قيمة الفن، وجعله مهنة راقية، ورسالة، تتخطى حدود الترفيه.
هو تربية «باب الشعرية»، وسليل البيت المصرى الأصيل، وابن مؤذن المسجد الذى تعلم القرآن صغيرا، وعشق مصر والفن وأعطاهما.
تعلم العود طفلا، وشارك فى ثورة 1919 شابا، وبدأ رحلته مع الفن من المولد والسيرك، ليكتشف موهبته ويتبناه ويصادقه ويرعاه أمير الشعراء أحمد شوقى، ولا يجد غضاضة فى أن يهديه قصائده العصماء، ليلحنها ويغنيها.
عبدالوهاب الذى تمر ذكرى وفاته فى 4 مايو، لا يعرفه الجيل الجديد إلا عبر ألحانه لأم كلثوم وعبدالحليم ونجاة وفايزة ووردة، ولكنى، وكثيرين مثلى، عاشق له مطربا، فلم تنجب مصر صوتا مثله، وكاد يخلفه تلميذه «العندليب»، ولكن لم يطل الله فى عمره، مثل أستاذه!
متعة عبدالوهاب الحقيقية فى غنائه القديم، أو وهو ينشد بصوته أروع قصائد الشعر العربى، من «كليوباترا» و«أنطونيو» و«النهر الخالد»، إلى «جفنه علم الغزل» و«مضناك جفاه مرقده» و«قالت»، ويحولها من أبيات جزلة إلى أغان سهلة يتغنى بها المصريون، شأنها شأن أغانيه العامية الخفيفة، التى كانت أقرب فيه رقيها إلى الفصحى، مثل «عاشق الروح» و«يا دنيا يا غرامى» و«فى الليل لما خلى».
بعض «المجاهيل» يدعون أن له «سرقات» موسيقية من السيمفونيات العالمية، وهذا فى واقع الأمر «هراء»، فإما أن هؤلاء واهمون، أو أنهم يتحدثون عن توارد خواطر، أو حتى اقتباسات مشروعة وفى محلها، ويقوم بها فنانون عالميون، وفى حالة عبدالوهاب، هى بالتأكيد نتاج طبيعى لفنان تذوق الموسيقات العالمية بأنواعها.
اسمع مثلا أغنية «يوم الإتنين» أو «أحب عيشة الحرية»، وانظر ماذا فعل عبدالوهاب بما اقتبسه.
و«يا سيدى»، ما أحلى الاقتباس، إذا كان بهذا الإبداع، وبهذه الروح الشرقية الخالصة.
سليم سحاب وصف هذا الهراء، الذى تورطت فيه اليونسكو قديما، بأنه «تلذذ فى تعذيب الذات».
هل كان عبدالوهاب فى حاجة ليقتبس عندما لحن «ساعة ما باشوفك جنبى»، أو «هان الود»، أو «لا تكذبي» أو «من غير ليه»؟
أما وطنيات عبدالوهاب، فكانت «كتاب تاريخ» لمصر والمنطقة، من «حب الوطن» و«نشيد الجهاد»، إلى «نشيد الحرية» و«دقت ساعة العمل» و«حى على الفلاح» و«الوطن الأكبر» و«كل أخ عربي» و«دعاء الشرق»، ورائعته لأم كلثوم «على باب مصر»، حتى «النجمة مالت» بعد حرب 73، ثم «صوت بلادى».
لم أسمع أغنية لفلسطين فى عظمة وروعة «أصبح عندى الآن بندقية».
وكان لعبدالوهاب دور مهم فى إعادة توزيع نشيد «بلادى» لسيد درويش، ليصبح نشيدنا الوطنى الحالى.
وما لا يعرفه كثيرون أنه تم تكليفه بتلحين مقدمة نشرة أخبار التليفزيون المصرى، ووقتها صنع لحنا عجيبا راقصا على العود أثار جدلا كبيرا!
وعبدالوهاب فى بداياته كان «كل شىء» بالنسبة لشباب مصر وفتياتها، فكان مصدر الموضة، وتحديدا مع كل فيلم له، سواء فى تسريحة شعره، أو فى تفصيلة بدلته، وربطة الكرافتة، ووضع المنديل، بل وفى طريقة «مشيته» وجلسته، وفى ضحكته الرجولية المميزة، فكان من يومه هو «الأستاذ»، ونجم الشباك، وفتى الأحلام، وفنان القصور والنجوع، والأغنياء والفقراء، والمثقفين والعامة، وكانت ألحانه الجديدة يحتفى بها فى الإذاعة، وكأنه يوم عيد، وكان الاستماع إلى أغانيه يتطلب منك أن تكون فى كامل أناقتك وتركيزك!
ولعبدالوهاب أعمال نادرة، ومميزة، فقد غنى مع أسمهان «مجنون ليلى»، ولحن لوديع الصافى وفيروز، بل ولطلال مداح وسمير صبري!
وله «دويتو» جميل بصوته مع سمير الإسكندرانى!
عبدالوهاب يمتعنى، ويمثلنى، ويشرف كل من يحب سماعه وشخصه.
فأى فنان راق هذا الذى يغنى لمعبدالكرنك وجندول فينيسيا ولوحة الموناليزا وجبل قيس وليلى والقمح والفلاح والقمح؟!
وأى زمن هذا الذى صرنا نغنى فيه للشيطان و«الحمار» و«الفقر» و«الدولاب»؟!
.. تسمع عبدالوهاب؟
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية