تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

بيزنس «تدريب السباحة»

«ابنك كويس يا مدام»! «ابنك ييجى منه»! «ابنك ها يبقى بطل»! هذا هو مشهد البداية. كلمات معتادة تسمعها الأم، مع بداية إلحاق ابنها بتدريب السباحة، لإيهامها بأن المستقبل باهر، وأن كل شيء يهون، من أجل أن يصبح ابنها سباحا عالميا، وبطلا أوليمبيا. ولكن بعد ذلك.. «بس محتاجين زيادة فى الفيتنيس»! «ومحتاجين تدريبات برايفت»! وهنا، يصعب على الأم أن تتراجع عن المشوار الشاق الذى بدأته مع ابنها فى تدريبات السباحة، فتقبل سريعا نصيحة «الكوتش»، وتبادر بإلحاقه بتدريب خاص، أو منفرد، أو ما يطلق عليه «البرايفت»، وغالبا ما يكون مع المدرب نفسه، ولكن خارج النادي، وطبعا فى مقابل مبلغ وقدره. وقد يكون المطلوب هو «الفيتنيس»، مما يستدعى إشراكه فى تدريبات خاصة أيضا مع مدرب لياقة بدنية أو فى «جيم»، يكون متفقا عليه، أو موصى به، فى أغلب الأحوال. وادفعى يا ماما، وادفع يا بابا! و«اتشححطوا» يا أهالى ما بين المواصلات، والزحام، والشغل، والبيت، والنادي. المهم ألا يقف أحد فى طريق «البطل» الذى لن يأتى أبدا! ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالتنافس بين «الأولاد» فى تدريب السباحة، غالبا ما يسير بالتوازى مع تنافس من نوع آخر بين جروبات «الماميز»، أى أمهات السباحين الصغار، الذين يتسابقون من أجل إرضاء أبنائهن وبناتهن، و«الكباتن».

 

.. فى النادي، فى أى ناد، كبير أو صغير، يتحمل الآباء والأمهات، تكاليف الانتقالات، والتغذية، والفيتنيس، والبرايفت، و«عذاب» متابعة تدريبات أبنائهن، ما بين النادى نفسه، ومكان «البرايفت» و«الفيتنس»، بل والعلاج الطبى إذا لزم الأمر، والنادى ولا هو هنا.

فالبهوات «الكباتن»، لا هم لهم إلا تحقيق الأرقام والبطولات، و«شفط» ما تيسر من أموال أولياء الأمور من أعضاء النادي، وفى سبيل ذلك، يضغطون بشدة على السباحين فى «البيسين»، ويمارسون كل أنواع «الستريس» على الأولاد والبنات من أجل تحقيق الأرقام المطلوبة، من شخيط، وتوبيخ، وسخرية، وإساءة معاملة، و«شتم» و«ضرب» أحيانا. والأسوأ من ذلك هو التفرقة، بين من يستجيب لنداءات «البرايفت»، ومن يرفض! فهذا له معاملة «فايف ستارز»، وذاك لا يستحق سوى التطفيش، أو إساءة معاملته هو و«أهله»، لا مؤاخذة، أقصد الأب أو الأم هنا، إلى أن «يزهق» الولد، ويترك تدريب السباحة، بل ويعتزل رياضة السباحة، والرياضة كلها، من الألف إلى الياء!. وفى هذا السياق، كل شيء مباح، من مجاملات لسباحين على حساب آخرين، لأن الموازين لم تعد رياضية على الإطلاق، كما شرحنا. أضف إلى ذلك أن «هوس» البطولة والأرقام الذى يسيطر على المدربين، والسباحين الصغار أحيانا، وجروب الماميز والداديز أحيانا أخري، يفتح الطريق أمام تغذية غير سليمة، ومكملات غذائية، وفيتامينات، و«خلافه»، علاوة على تجاهل لظروف صحية كثيرة، فلا شىء اسمه مجهد أو مريض أو «عندى شد» قبل البطولات. حتى الشهادات الطبية التى يتم إلزام أسرة السباح باستخراجها من المستشفى قبل البطولات الرسمية، من فحوصات طبية و»رسم قلب» والذى منه، لا تبدو سوى إجراء صوريا لا يعيرها أحد التفاتا.

إن ما حدث من أخطاء فادحة فى حادثة وفاة السباح «يوسف»، لا يقتصر فقط على مسألة وجود سيارة إسعاف بعيدة أو قريبة، أو وجود غطاسين أو مسعفين من عدمه، أو رد فعل المحكمين، فالمسألة أكبر من ذلك، ومسببات الكارثة بدأت منذ زمن. هذا الحادث الأليم، الذى سيتكرر كثيرا، يجب أن يفتح ملف «بيزنس» «تدريب السباحة»، المسكوت عنه فى معظم أندية مصر. إن الحادث الذى وقع، ربما يكون قد شهد أخطاء فى يوم السباق نفسه، ولكننى أكاد أجزم أن «المصيبة» ربما تكون قد بدأت قبل ذلك اليوم، من أول «البرايفت»، و«ابنك ييجى منه». وبالمناسبة، فما يحدث فى تدريب السباحة، هو نفسه ما يحدث فى تدريب الكاراتيه، والكونج فو، وكرة القدم بطبيعة الحال. ولكن «بيزنس» السباحة فى أنديتنا هو الأوسع نطاقا، فنحن نتحدث عن قطاع «ثقيل» يمكنه حسم انتخابات مجلس إدارة أى ناد، ونتحدث أيضا عن قطاع يعد الأكثر ربحية فى أى ناد بعد كرة القدم، ونتحدث عن بيزنس البرايفت والفيتنيس والتغذية، ومجاملات وعلاقات متداخلة.

باختصار، قطاع أكل عيش، و«سبوبة حلوة»، للمدربين، وعامل غرف الملابس، بل ولمسئول الكراسى و«القعدات»، المستفيد من امتلاء منطقة حمام السباحة باللاعبين والأعضاء طوال اليوم، منذ ساعات الفجر الأولي، وحتى منتصف الليل! وفى النهاية، لا يوجد أبطال ولا يحزنون، وفى السباحة بالذات! ومن لا يصدق، فليذهب إلى أى ناد، ولير بعينه! .. رحم الله «يوسف». وكان الله فى عون «أم يوسف»، وفى عون كل ولد أو بنت أو أم «مضحوك عليهم» من أولئك الذين حولوا رياضة جميلة إلى «مفرمة» لا ترحم.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية