تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > هاني عسل > الملحمة .. والمستحيل .. والممكن

الملحمة .. والمستحيل .. والممكن

ما بين مشهد الزحف الفلسطينى المهيب من جنوب إلى شمال غزة، ومشهد الاصطفاف الوطنى المصرى الرائع و«الكاشف» خلف الوطن والقيادة السياسية، لا تزال لغة الأرقام والإحصائيات تقف عاجزة عن وصف حجم الكارثة الإنسانية التى شهدها ويشهدها قطاع غزة، ومع ذلك، يتشبث به أهله، كما هو، مدمرا، موحشا، تحتضن أرضه آلاف الشهداء والمفقودين، ومع ذلك أيضا، تتحدث مصر يوميا عن استعدادها لإعادة إعمار القطاع، وإعادته كما كان «صالحا للحياة».

الواقع المأساوى فى غزة هو المستحيل بعينه. سكان غزة فرحوا بالعودة إلى منازلهم فى الشمال، ولكن هذه الفرحة تبددت سريعا، بعد أن وجدوا أنفسهم أمام مكان مخيف لا يعرفونه، بلا ماء، ولا كهرباء، ولا حياة، حتى مبانيهم المهدمة لا يستطيعون تذكر أماكنها.

رائحة الموت فى كل مكان. خذ عندك: نتحدث عن 46 ألف شهيد، وأكثر من 110 آلاف جريح، القطاع عاد إلى ما كان عليه فى الخمسينيات من القرن الماضي.

100% من سكان غزة حاليا تحت خط الفقر، ولو كان هناك خط تحته، لكان معظمهم تحته أيضا.

البطالة فوق الـ80%. تقرير أممى يقول إن اقتصاد غزة يحتاج إلى 350 عاما لكى يعود إلى وضعه قبل 7 أكتوبر 2023. 1.8 مليون فلسطينى بلا مأوي. 2.3 مليار دولار إجمالى خسائر الاقتصاد الفلسطينى منذ بدء العدوان.

القطاع خسر 86% من إنتاجه فى أول أربعة أشهر فقط من الحرب. إسرائيل نفسها تقول إنها خسرت 67 مليار دولار منذ بدء «طوفان الأقصي». القصف الإسرائيلى لغزة خلف 50 مليون طن من الركام. حجم الركام فى غزة يحتاج إلى 21 عاما على الأقل لإزالته، بتكلفة تتخطى 1.2 مليار دولار. كمية الركام يقدرونها بأنها تعادل طابورا من الشاحنات يمتد من نيويورك إلى سنغافورة! فكرة زيادة مساحة غزة عبر إلقاء الركام فى البحر قد تكون مطروحة، وقد تحل جزءا ولو بسيطا من مشكلة القطاع «المخنوق» جغرافيا.

50% من الأراضى الزراعية فى غزة تعرضت للدمار.

التكلفة الإجمالية لإعادة إعمار غزة تتخطى 80 مليار دولار، ولو بدأت «الآن» يمكن أن تمتد إلى عام 2040 أو ما بعده. ومع ذلك، ففى غزة ملحمة، وفى مصر ملحمة لا تقل عظمة عنها. وبين الملحمتين الوطنيتين، لا يبدو أى شيء مستحيلا. بدر عبد العاطى وزير الخارجية قال بوضوح إن مصر لديها رؤية واضحة لإعادة إعمار غزة دون خروج أى مواطن «غزاوي» من أرضه.

واضح أن هناك توافقا عربيا فى هذا الشأن، والتنسيق مع الاتحاد الأوروبى ومع الجانب الأمريكى والأمم المتحدة أيضا يسير على قدم وساق فى هذا الاتجاه. ولكن فى الوقت نفسه، «الرؤية» المصرية مشروطة ببدء عملية سياسية ذات مصداقية تؤدى لقيام الدولة الفلسطينية، لمنع تكرار حلقات العنف والعدوان والخراب. نحتاج أولا إلى «سلطة» على الأرض. وثانيا، نحتاج إلى نفاذ يومى للمساعدات، و600 شاحنة يوميا من رفح ربما لا تكفي. وثالثا، مطلوب مشروعات عاجلة للتعافى المبكر للقطاع، وبخاصة فى مجالات مياه الشرب والصرف الصحى والصحة، بالتوازى مع دخول المساعدات، لإنقاذ الآلاف من المجاعة والأوبئة. أما رابعا، فمطلوب مشروعات لإزالة الركام وإعادة الإعمار. لا يوجد طرف أفضل من مصر للقيام بهذه المهمة.

حتى الإسرائيليون مقتنعون بذلك، رغم أنه من مصلحتهم ألا تكون هناك غزة من الأساس. خبرات وقدرات الشركات المصرية هائلة. ثقة جميع الأطراف فى مصر لا جدال فيها. وهناك سبب آخر يتعلق بالجغرافيا، واللوجستيات. ويجب ألا نغفل عن أن إعمار غزة، وهدوء هذا الصراع للأبد ومسبباته، فى صالح أمن مصر القومي، واقتصادها، ومستقبلها. وتبقى مشكلة التمويل.

وهنا يكمن السؤال: من يدفع فاتورة إعمار غزة؟ هل العرب قادرون على ذلك بمفردهم؟ وبكم؟

توجد دول أوروبية بالفعل أعربت عن استعدادها بالفعل للمساهمة فى تمويل عملية الإعمار. ولكن أيضا، بكم؟ ومن سيدير العملية برمتها على الأرض؟ إجابة هذه التساؤلات كلها تبدو متوافرة لدى مصر. فلديها رؤية واضحة وتفصيلية لذلك.

ولعل مؤتمر إعادة الإعمار الذى اقترحت مصر عقده يوضح الأمور أكثر. وساعتها، سنقول جميعا «سلاما» لمخططات التهجير!. «دويتش فيلا» تقول إن مصر تنتظر مكاسب من إعمار غزة. ونحن نقول: «احسبوا أولا خسائر مصر من حرب غزة، وكيف اقتطع المصريون من قوت يومهم من أجل إغاثة أشقائهم، قبل أن تتحدثوا عن مكاسب مصر»!. وتحيا مصر، حرة، مستقلة، مستقرة، شريفة، عظيمة.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية