تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

لا تحزن يا صديقى، ففى حياة كل منا هذا «الصاحب النذل».

 

من خان، ومن غدر، ومن تغير، ومن «تشقلب» حاله، ومن تسلق، ومن تنكر لك، ومن طعنك بخنجر فى ظهرك وهو يبتسم فى وجهك، ومن شتمك ولعنك فى غيابك، وهو يقسم لك بأغلظ الأيمان أنه يذكرك دائما بخير!

فى حياة كل منا يهوذا وبروتوس وخنفس باشا ومحجوب عبد الدايم، عادى جدا يا صديقى!

بحثت طويلا عن العبقرى صاحب مقولة «اتق شر من أحسنت إليه»، فلم أجد، ولكنى بالتأكيد أحسده على جرأته فى التحذير من فعل الخير، تحسبا لعواقب وخيمة. صحيح أننا مطالبون دائما بالتسامح والتساهل، ومقابلة الأذى بالعفو وحسن الخلق، ولكن يبدو أنه أراد أن يقول الحق، ولو على حساب «الأصول»!

هى ليست بحديث شريف، ولا من أقوال السلف الصالح، ولكنها حكمة قديمة بلا صاحب، باتت مشهورة وشائعة عند العرب منذ زمن بعيد، ويعبر عنها قوله تعالى فى سورة «التوبة» آية ٧٤: «..وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله..»، فنقمة المنافقين هنا لم تتجه إلا لأصحاب الفضل عليهم، وهم الله جل جلاله، ورسوله الذى هداهم للإسلام والإيمان، سبحان الله!

وهناك مقولات مأثورة تسير فى هذا الاتجاه أيضا، أشهرها «لا تضع معروفك عند فاجر، ولا أحمق، ولا لئيم، فإن الفاجر يرى ذلك ضعفاً، والأحمق لا يعرف قدر ما آتيت، فارزق معروفك أهله تحصل به شكراً».

الإمام السخاوى حاول تحسين الأمور فى «المقاصد الحسنة» فقال: «اتق شر من أحسنت إليه من اللئام»، ولكن هذه هى المشكلة، فالفاجر معروف، والأحمق معروف، واللئيم أيضا معروف، ولكن كيف يستطيع المرء أن يعرف من هو أهل بالمعروف منذ البداية؟ وكيف له أن يتنبأ بالخبايا والتبدلات فى أحوال العباد وضمائرهم وسلوكياتهم مسبقا؟

الحكمة الإنجليزية تقول: Each betrayal begins with trust أو «كل خيانة تبدأ من الثقة»، فهل نتوقف عن الثقة فى الجميع؟ هل نمتنع عن إسداء المعروف والإحسان لأحد اتقاء للشرور؟ هل يحتاج كل إنسان منا أن يستعين بماسح ضوئى أو Scanner للكشف عن اللئام قبل أن يفكر فى الإحسان إليهم؟ أم أن التجربة «لابد منها» يا صديقى إلى أن تتلقى الدرس على «أم رأسك»؟!

يحكى أن أنثى ضبع هزيلة جائعة استجارت بخيمة أعرابى فى يوم شديد الحرارة بعد مطاردة، فأشفق عليها الأعرابى، وآواها فى خيمته، وأطعمها، ورد عنها القوم الذين كانوا يطاردونها، ولكن، بعد يوم، خرج الرجل من خيمته، وترك أخاه نائما، فجاءته أنثى الضبع وقد عادت لطبيعتها فى الافتراس، فقتلته، وهربت، لما عاد الأعرابى ووجد أخاه مقتولًا، أنشد يقول: «فأسمنها حتى إذا ما تكلمت، فرته بأنياب لها وأظافر» .. كيف يأمن أحد لضبع؟!

أيضا للمتنبى بيت شهير يقول فيه: «إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا»، ولكن المؤسف فى زمننا هذا أن «الضربة» أو «الصدمة» قد تأتيك من «الكريم» ومن «اللئيم»، على حد السواء، يعنى الأفضل يا صديقى ألا تصاحب، وألا تصادق، وألا تأمن لأحد، ولتضع فى حسبانك دائما أن «الخل الوفى» هو ثالث المستحيلات بعد الغول والعنقاء، وقد يكون «الخل» نفسه هو المستحيل الرابع!

هذا الكلام بالمناسبة يا صديقى لا ينطبق على بنى البشر وحدهم، بل يتجسد أيضا فى علاقات الدول والشعوب ببعضها البعض، فكما يعكر صفو حياتنا «صديق السوء» و«الخائن» و«الغدار» و«المتسلق» و«الانتهازى» وصاحب الألف وجه، لدينا أيضا الدول «اللئيمة» و«المتسلقة»، والأمم «الحاقدة»، والمنظمات «المنافقة» و«الكاذبة»، والشعوب «ناكرة الجميل»، والشركات «الانتهازية»، وابحث حولك، وفتش فى الكتب والأخبار، تجد مثالا أو أكثر على كل واحدة مما سبق.

تعرف جيدا يا صديقى أن مشكلة مصر الحقيقية «الشرف» فى زمن عز فيه الشرف.

الدول اللئيمة ذات الألف وجه «أكثر من الهم على القلب»، وإسرائيل، النموذج الأبرز والأوضح للدول المتسلقة، والمنظمات والجماعات المنافقة والكاذبة ذات المواقف المائعة والتقارير «التمثيلية» والبيانات الاستعراضية، لا يوجد أكثر منه، والأمم الحاقدة، والشعوب ناكرة الجميل «حدث ولا حرج». بل ورأينا أيضا نموذج «الفنان النذل» الذى لا يمانع تدمير زميل له، مقابل أى شىء.

حتى تجاريا، أمامنا الآن شركات ومطاعم «انتهازية» استغلت «هوجة» المقاطعة، ورفعت أسعار منتجاتها وخدماتها بصورة فجة!

افتح قلبك لى إذن يا صديقي، واحك لي، و«فضفض» لى عمن خان، ومن غدر، ومن «تسلق»، ولكن، انتبه، فلن آمن لك مهما أفضيت لى .. وعليك أيضا ألا تأمن لى!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية