تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أكتوبر .. مجد نستحقه
أتذكر جيدا ما حدث فى ذلك اليوم، وكأنه جرى بالأمس!
صباح يوم 6 أكتوبر 73، وكان يوم سبت، كنا فى مدارسنا، والموظفون فى أعمالهم، فلم يكن «السبت» إجازة أسبوعية وقتها.
قرب الظهيرة، فوجئنا بالمدارس تطالبنا عبر الميكروفونات فى فترة «الفسحة» بالعودة إلى منازلنا! لم نسأل عن السبب.
المهم أننا سنعود للمنازل!
إحساس الفرحة الطبيعى الذى ينتاب أى تلميذ فى سن صغيرة بالخروج مبكرا من المدرسة!
فى طريق العودة، كانت «الدنيا متدربكة»، والناس يتحدثون عن أن البلد فى حالة «طواريء».لم نهتم.
التقينا جميعا فى بيت العائلة.
شعرنا بوجود حركة غير عادية فى الشارع. الكل على لسانه جملة واحدة: «الحرب قامت». بعد قليل، أصوات تكبير وتهليل تسمع بوضوح من الشوارع وبيوت الجيران.
الراديو مفتوح على البيانات العسكرية. لم نفهمها وقتها. كل ما عرفناه أننا فى إجازة طويلة من المدارس، وأن «مصر بتحارب إسرائيل». السعادة على الوجوه بعد بيانات الساعات الأولي. «مبروك» .. «عبرنا» .. «الحمد الله» .. «يارب انصر جيشنا»، «النصر للسادات».
عبارات تتردد على جميع الألسنة. ساعات، وانطلق مدفع الإفطار، لتنهمر معه دعوات وابتهالات الجميع بانتصار جيشنا فى الحرب، التى بدأنا نسأل عنها، ونفهم. صوت النقشبندى يدوى كالرعد من الراديو. التليفزيون «الأبيض والأسود»، لا يذيع إلا البيانات العسكرية.
كل خرائط برامج الإذاعة والتليفزيون تغيرت. وفى المساء، كانت مشاعر السعادة تمتزج بالقلق والخوف، فقد بدأت التحذيرات تتوالي:
إطفاء الأنوار، إغلاق النوافذ، عدم الخروج من المنزل، عدم الوقوف فى البلكونات، عدم الإمساك بأجسام غريبة.
وتحول الخوف إلى رعب حقيقى مع بدء دوى صفارات الإنذار بين الحين والآخر تحسبا لغارات إسرائيلية.
فور إطلاق الصفارات، كنا ننزل جميعا، كبارا وصغارا، إلى مكان فسيح فى «بدروم» العمارة، يسمى «المخبأ». كان هذا المخبأ موجودا فى معظم البنايات السكنية فى ذلك الوقت. وكان أمام كل مبنى سكنى أيضا حائط صغير من الطوب الأحمر، للاحتماء من آثار أى قصف أو ضرب، وقت الضرورة. كنا نكره مجرد سماع اسم «إسرائيل».
لحظات الاحتماء فى المخبأ مساء طوال أيام الحرب كانت لا تنسي.
كان الجيران يلتقون. بعضهم يتبادل التهانى مع البعض الآخر. ورجال ينخرطون فى حديث مطول حول الأخبار على الجبهة. وسيدات يوزعن «كبايات» الشاى والقهوة، والحلوي، على الأطفال.
وبعد انتهاء الإنذار، يعود كل منا إلى منزله، تحسبا لعودة جديدة، وغارة جديدة.
صوت صفارات الإنذار كان مفزغا، وكانت تعقبها عادة أصوات طائرات حربية تصم الآذان، ولكن، لم يكن يحدث شيء أكثر من ذلك.
أرض وسماء مصر كانت «مؤمنة» تماما.
ظل الحال على ما هو عليه حتى نهاية الحرب. حتى مع تردد أنباء «الثغرة»، لم يكن أحد يشعر بالقلق. كانت الثقة مطلقة فى جيشنا الذى عبر وانتصر، وأنهى المعركة مبكرا.
بعد الحرب، أذكر أن مصر كلها زارت معرضا اسمه «معرض الغنايم»، أقيم فى الجزيرة، لعرض «البواقى والفضل» من عتاد جيش إسرائيل الذى لا يقهر! لم يكن أحد يشعر بأى هزيمة أو أى ثغرة، أو أى نصر منقوص.
وطوال أيام الحرب وما بعدها، لم يكن أحد يجرؤ على الشكوى من ارتفاع أسعار أو نقص سلعة أو غياب أمن أو حريات أو ديمقراطية!
كانت هناك قيادة عرفت كيف تخطط وتستعد للمعركة، دون أن يمس شعبها أى سوء.
فارق كبير أن تدار دولة بقيادة وطنية مسئولة، تعرف كيف تحافظ على جيشها وشعبها واقتصادها، وبين أن تدار بعقلية جماعة أو «ميليشيا»، تلقى بالجميع فى النار، لكى تبقى هى فقط على قيد الحياة. أكتوبر كانت ولا تزال «للرجال فقط».
مجد أكتوبر لا يستحقه سوى من عاشه، وشارك فيه، وأحبه، وخلد ذكراه.
لا يشعر به من لم يصنعه، ومن شكك فى نتائجه، ومن ألغاه من خريطة الإجازات الرسمية!. لا يشعر بحلاوة أكتوبر من كان فى قلبه مثقال ذرة من خيانة أو عمالة أو كراهية وحقد على مصر.
لو لم تسر القشعريرة فى بدنك، وأنت تشاهد خطاب السادات، أو وأنت تسمع أغنيات النصر، أو وأنت تتابع مشهد العبور فى فيلم «أبناء الصمت»، مصحوبا بموسيقى بليغ المزلزلة، فعليك أن تجدد «مصريتك».
لقد كان أكتوبر بحق، أعظم أيام التاريخ. ومجدا نستحقه. وفخرا يليق بنا. وذكرى تستحق أن تروى لأجيال وراء أجيال، مهما طال الزمن. .. وأنت؟ أين كنت يوم 6 أكتوبر؟
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية