تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > هاني عسل > «الصيانة» .. الفريضة الغائبة

«الصيانة» .. الفريضة الغائبة

الأهم من المشروع، صيانته.

الأهم من التنفيذ، كيف ستحافظ على ما نفذته.

قبل أن تقوم بأي عمل ضخم على الأرض، عليك أن تعرف كيف ستحميه، وتؤمنه، وتصونه.

الحفاظ على الأشياء الجميلة، والأعمال الكبيرة، فن، وموهبة، وجهد يجب أن يفوق في رأيي الجهد المبذول في تنفيذ العمل الناجح نفسه.

الرئيس السيسي تحدث عن هذا الأمر قبل سنوات في لقاء عام.

في يناير 2018 تحديدا، وخلال افتتاحه مشروعات كبرى في مدينة السادات، كانت الرسالة واضحة.

فبالقدر الذي كان فيه الرئيس يومها سعيدا بما تم افتتاحه من مشروعات، بقدر ما أعرب عن قلقه بشأن نفقات تمويل صيانة واستمرارية كل مشروع أو منشأة.

الرئيس قال ذلك ربما لأنه يعلم أن «فلسفة» صيانة الأشياء قد تكون «بعافية شوية» لدينا كمصريين، في كل شيء. أو ربما لحرصه على الحفاظ على هذه المشروعات الضخمة التي دفعت فيها الدولة «دم قلبها»، واستغرقت سنوات لإتمامها، والهدف منها إصلاح بنية أساسية «كانت» موجودة، وأتلفها الزمن، وقلة الاهتمام، وانعدام العناية والصيانة.

ولا أبالغ إذا قلت إن «الصيانة» هي الفريضة الغائبة عن مجتمعنا.

صيانة «الشيء»، من صيانة الشارع، وصيانة الشقة، وصيانة العمارة، وصيانة السيارة، إلى صيانة «الود» نفسه!. والحمد لله أنه صار لدينا رئيس يدرك أهمية هذه «الصيانة»، ويهتم بها، ويذكر المسئولين بأهميتها.

خذ عندك مثلا بند «الطرق».

عندما شيدت مصر «كوبري 6 أكتوبر» لحل أزمة الزحام والكثافة السكانية بالقاهرة والجيزة، لم يكن هناك تفكير لعقود طويلة في كيفية الحفاظ عليه، وصيانته، بقدر ما كان هناك اهتمام لإنشاء عدد كبير من المنازل والمطالع والامتدادات عليه، ومرت السنون، وإذ بنا نفاجأ بأن الكوبري المتهالك صار مقبرة للسيارات، وباتت فواصله المعدنية أشبه بالموانع، التي يتعين على قائد السيارة نطق الشهادتين قبل تخطيها، أو الإبطاء الكامل لحين تجاوز الفاصل بسلام، وهو ما حول الكوبري من طريق سريع إلى جراج كبير، طوال ساعات اليوم، وصار موضوع صيانة الكوبري وفواصله وعيوبه أمرا عسيرا.

خلال سنوات قليلة، شيدت مصر، بسواعد أبنائها، عشرات المشروعات المذهلة، في زمن قياسي، من طرق وأنفاق وكباري، إلى مدارس وجامعات ومستشفيات ومصانع، نهاية بمفاعل نووي، وعاصمة إدارية حديثة، وقناة سويس جديدة، ومحطات معالجة مياه وصرف وكهرباء.

في منطقة المقطم مثلا، وما حولها، توجد طرق «عالمية» مقامة بأحدث المواصفات، من بينها «ياسر رزق» و«عبدالمجيد محمود»، وغيرهما. طرق حديثة عصرية، لم تعرفها مصر من قبل، ولا يمكن أن تجد مثلها إلا في الدول المتقدمة.

طرق تجعل من القيادة «متعة». بسبب اتساع الطريق، وحسن تخطيطه، وجودة تنفيذه، وتشطيباته، وكثير من اللمسات الجانبية التي أضيفت إليه.

حتى المرتفعات الجبلية المحيطة بهذه الطرق، لم تترك هكذا، بل تم «تبطينها»، منعا لتساقط الحجارة والرمال على جانبي الطريق.

ليس هذا فحسب، بل تستطيع أن تجد على جانبي الطريق قنوات صغيرة لتصريف مياه الأمطار. ومع كل ذلك، وبعد كل هذا العمل، بدأت بوادر لعدم المحافظة على ما تحقق.

فبسبب سيارات النقل التابعة لشركات المقاولات، التي تسير بسرعات جنونية، وبخاصة في ساعات الليل، سقطت كميات من الأسمنت على أرضية الطريق، وجفت، وتحولت إلى كتل صلبة، أو «كلاكيع»، أسوأ من المطبات الصناعية والطبيعية معا. وأيضا بسبب غياب الإضاءة الكافية معظم فترات الليل، والرقابة المرورية، باستثناء رادار واحد يتيم على كل طريق، بدأت ظاهرة السير العكسي، وبخاصة «التاكاتك»، مما تسبب في حوادث عديدة.

ليس هذا فحسب، فمنذ فترة، بدأ يظهر بعض المتسولين وباعة الأرصفة، والعربات التي تلقى بالقمامة و»المخلفات» على جانبي الطريق.

وأخيرا، بدأنا نلاحظ أن الرمال بدأت تزحف على أجزاء من الطريق، لتقتطع حارات كاملة منه. والأمر نفسه موجود على طرق أخرى حديثة.

وما يقال عن الطرق، يقال أيضا عن وسائل النقل. نذكر جيدا كيف كان الخط الأول لمترو الأنفاق في بداياته، وكيف أصبح. وكيف بدأ الأوتوبيس المكيف، وكيف أصبح.

وكيف بدأ الميني باص، وكيف أصبح. وكيف بدأ التاكسي الأبيض، وكيف أصبح.

إن صيانة الأشياء، شرط أساسي لديمومتها. أما تركها هكذا، فهذا يعرضها للتلف، فالفناء، ويهدر الوقت والجهد والمال، في وقت نحن أحوج فيه إلى كل ثانية، وكل قطرة عرق، وكل جنيه.

.. فلنحافظ على إنجازاتنا، ولنحم مشروعاتنا.

ولنضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه إفساد أي عمل عظيم صنعناه.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية