تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
«السرسجية»!
.. «كيف ترعرع في وادينا الطيب هذا القدر من السفلة والأوغاد»؟
قالها صلاح عبد الصبور ذات يوم. ولو كان حيا، لتحدث صراحة عن «السرسجية». ولفظ «سرسجى» هو أحد تجليات عبقرية العامية المصرية. مصطلح محلي بحت، يستحيل أن تجده في معاجم اللغة العربية.
يقال إنه خليط من كلمات قليلة تصف من «يسير» على «سجيته». و«السرسجي» هو شخص يعيش عشوائيا، فوضويا، عابثا، يعيث في الأرض فسادا، سوقي الألفاظ والمظهر والتصرفات، ولا يدرك عادة خطورة ما يفعل. حياته خليط بين السلوكيات المستهجنة، والخروج على القانون والنظم والأخلاق، والمظهر الشاذ. الهمجية عشقه، والبلطجة «دينه»، والقانون عدوه الأول والأخير، والأخلاق والذوق والتربية خصومه، والمخدرات على الأرجح صديقه الصدوق. ظهر «السرسجية» بهذا المفهوم في حياتنا للمرة الأولى بعد «نكبة» يناير 2011. لا يوجد تاريخ «يؤرخ» لظهورهم قبل هذا الموعد «المبارك» الذي لا يزال «مغيبون» حتى يومنا هذا يتغنون به! هذا التاريخ، كان أشبه بيوم «انتصار» لهم، كأفراد وعصابات، و«نمط حياة».
طفح «السرسجية» على سطح المجتمع، وانتشروا، وتكاثروا، تماما كمخلوقات «الزومبي»، أو سرب الحشرات الذي يخرج من «بالوعة» قذرة.
لا علاقة واضحة لهم بـ«فقر» أو «عشوائيات» أو «غلابة»، كي لا نخلط الأوراق، فهناك سرسجية ميسورون، وأبناء تجار وأصحاب محلات و«كسيبة»، بل وسكان فيلات وكومباوندات.
السرسجية حولنا فى كل مكان. سائق مقطورة طائشة، قائد موتوسيكل يكسر الإشارة، «طفل» على توك توك يسير عكس الاتجاه، تاكسي يرجع الكوبري «بظهره»، ميكروباص «يكسر عليك» إحساسا بقوته وأفضليته، «ملاكي» يقتحم مسار الأوتوبيس الترددي بعظمة وعنجهية، أو ينطلق في «ذيل» سيارة الإسعاف بنذالة وخسة. أوتوبيس يفزعك بـ«كلاكس» يصم الآذان. بائع يحتل الرصيف، وآخر يقطع الطريق.
«سايس» يؤجر لك شارعا لا يملكه. «هلفوت» يمزق مقعدا في أوتوبيس. و«هلفوت» آخر يكتب عبارات «تافهة» بـ«السبراي» على الجدران.
وثالث يسب ويفحش، ورابع يعاكس الفتيات، وخامس يستعرض مهاراته في ركوب الموتوسيكل ورفعه إلى أعلى وكأنه يقود حصانا جامحا.
جار يزعجك بصوت «شنيور» صباحا، وبأغاني مهرجانات مساء، وبكلبه الذي يتبرز في الطريق.
زميل عمل لا يعمل، ويؤذيه أنك تعمل، و«آخر الشهر»، يطالب بالعدل والمساواة!
وكله كوم و«سرسجية» السوشيال ميديا «كوم آخر». في الفترة الأخيرة، سعدنا جميعا بقيام وزارة الداخلية «مشكورة جدا» بجهد كبير في إعادة الانضباط إلى الشارع المصري، على الأقل على صعيد الطرق والمرور، وأيضا في تعقب كثير من «سرسجية» الفضاء الإلكتروني. 120 ألف مخالفة مرورية تم تسجيلها في يوم واحد!
سير عكسي، سيارات بدون ترخيص، قيادة تحت تأثير مخدرات. استحداث خدمة تلقي الشكاوى المرورية، ومخالفات الطريق، وجرائم الترويع والبلطجة، مشفوعة بالصور والفيديوهات أمر أسعدنا كثيرا.
وكانت النتيجة مبهرة. حربا ضد كل مظاهر الانفلات والفوضى في الشارع المصري. حربا تقودها أجهزة الدولة، بدعم ومباركة من المواطن، الباحث عن حياة أفضل، ومجتمع يحفظ الحقوق.
المصريون يشاركون في هذه الحرب هذه الأيام على محورين متلازمين:
الأول، هو الإبلاغ عن المخالفين، وإثبات جرائمهم ومخالفاتهم بالصور والفيديوهات، وهو ما تعاملت معه الأجهزة الأمنية بسرعة وجدية.
والثاني، هو التصدي لكل محاولات الدفاع عن هؤلاء «السرسجية»، بحجة أن هذا «غلبان»، وذلك «ظروفه صعبة»، وهذا «بيصرف على عيلته».
بهذا التكاتف، نجحت مصر في حربها ضد الإرهاب والعمالة. وبهذا التكاتف أيضا، ستنجح مصر في حربها ضد «السرسجية». حرب صعبة، لا تقل صعوبة وخطورة عن الحرب ضد الإرهاب. وإذا كان الإرهاب جريمة لا يوجد ما يبررها، فإن البحث عن مبررات وحجج لـ«السرسجة» أمر غير مقبول أيضا. وإذا كان تمجيد الإرهاب «إرهابا» مثله، فإن المدافع عن «السرسجية» و«السرسجة»، «سرسجى» مثلهم، ويستحق الاحتقار، والعقاب.
وما كان يقال من «هراء» أيام يناير، من تبرير للوقاحة والتطاول والبلطجة وقطع الطرق ومعاداة الدولة، لا يجوز إطلاقا أن يقال الآن، ونحن في «الجمهورية الجديدة». بقي ألا يترك المواطن والدولة وحدهما في أتون هذه الحرب، إذ يجب تضافر قوى مجتمعية أخرى عديدة، بشكل متناغم، للقضاء على ظاهرة «السرسجة» نهائيا، واستئصالها من أرض مصر، خاصة أنها و«الإرهاب» وجهان لعملة واحدة، وكلاهما له مصلحة في وجود الآخر. ولا أتحدث هنا عن بيت أو مدرسة أو مسجد فقط. وإنما صناع الفنون والدراما وأصحاب استوديوهات برامج كرة القدم، والذين لم يعد مقبولا منهم بعد الآن تقديم نماذج رديئة «متسرسجة» لشبابنا ليل نهار، على أنها «القدوة» و«النجومية»، و«النجاح».
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية