تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

«التكييف» للجميع

«حر» مصر، ليس كحر الخليج.

ومع ذلك، حر مصر الآن، غير حر مصر زمان، تماما مثلما صار حر أوروبا الآن، غير حر زمان.

قبل عقود قليلة، كان طقس مصر لطيفا عما نحن فيه.

فى فيلم «السماء والأرض» الذى قدم فيه العبقرى صلاح أبو سيف مشهدا افتتاحيا رائعا عن «حر مصر» فى الستينيات، كانت درجة الحرارة وقتها فى حدود 32 أو 33 على الأكثر.

ولكن فى أيامنا هذه، ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض، والتحذيرات من مزيد من الارتفاع، وتغير مناخ الكوكب، وتزايد معدلات الرطوبة والتلوث، لم تعد درجات الحرارة فى الثلاثينيات، بل صارت فوق الأربعين معظم أيام الصيف، وفى الظل، وحتى عندما تسجل الحرارة أرقاما «ثلاثينية»، يتحدث خبراء الأرصاد عن أن الـ36 أو الـ37 المسجلة، هى 40 أو 41 «محسوسة»، بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة فى الجو.

ويتفاقم الأمر بالطبع فى مدينة كبرى مثل القاهرة، مع التكدس السكاني، والازدحام المروري، والتصاق الأبنية الإسمنتية، فضلا عن عدم اعتراف المواطن المصرى دون سبب معروف بـ«ملطفات» الحرارة التقليدية، مثل الشمسية، ومروحة اليد، والقبعة أو «الكاب»، فضلا عن تخليه التدريجى عن الملابس الشعبية الخفيفة التى اعتاد عليها أهل الريف والصعيد، والإصرار على «خنقة» البدلة والجرافتة، والحذاء «الدبابة».

حر، يعنى كسلا للبدن، وخمولا للذهن.

حر، يعنى احتقانا وتوترا وغضبا.

حر يعني، ندرة مجهود، وضعف عمل، وقلة إنتاج، وإبداعا مستحيلا.

مع ارتفاع حرارة الجسم، تتمدد الأوعية الدموية، وينخفض ضغط الدم، ويزداد التعرق، مما يجعل الشخص يشعر بالدوار والإرهاق والمرض و«القرف».

والمشكلة الأكبر تحدث مع الفئات الأكثر ضعفا، كالأطفال والمرضى وكبار السن.

إنجلترا تسجل ألفى حالة وفاة سنويا بسبب ارتفاع درجات الحرارة، معظمها بسبب نوبات قلبية وسكتات دماغية، نتيجة لإجهاد الجسم فى أثناء محاولته الحفاظ على استقرار درجة حرارته.

يونيو الماضى كان ثانى أشد شهور يونيو حرا فى أوروبا، ورابع أسوأ يونيو على مستوى العالم.

كندا وشمال غرب أمريكا، سجلا هذا العام أيضا درجات حرارة أعلى من الأرقام القياسية السابقة بمقدار خمس درجات مئوية.

حتى سيبيريا، سجلت العام الماضى زيادة على المعدل الطبيعى بخمس درجات.

وفى مصر، يهجم حر الصيف مبكرا فى مايو، تللا ذلك ارتفاعات شديدة فى يونيو ويوليو، وتستمر فى أغسطس، وستظل ملازمة لنا على الأرجح حتى منتصف نوفمبر على الأقل.

خبراء المناخ فى العالم يؤكدون أن هناك تصاعدا مخيفا فى درجات الحرارة القصوى حول العالم.

ويؤكدون أن الأسوأ قادم، لأنهم يسجلون ارتفاعات، سنة تلو أخري، ولا انخفاضات على الإطلاق.

معدل الـ 1.5 درجة الذى يحذرون منه فى مؤتمرات المناخ متفائل أكثر من اللازم، وغير واقعي.

ومن كل ما سبق، ونظرا لأننا عانينا صيفا قاسيا هذا العام فى مصر، فعلينا أن نتعلم الدرس، قبل أن نفاجأ العام القادم بصيف أشد سخونة مما نحن فيه.

والدرس الأول، والأخير، الذى لا مفر منه للأسف، هو أن ما يتم إنفاقه على الطاقة لتشغيل أجهزة تكييف الهواء فى المنازل وأماكن العمل لم يعد ترفا، بل صار من مقومات الحياة، وعلى الجميع أن يتعامل مع هذه الحقيقة بشتى الصور، مهما كانت «الفاتورة»، وعلى كل طرف «ضبط» ميزانيته على ذلك.

فى أشهر الصيف، لم يعد جهاز التكييف رفاهية.

جهاز تكييف واحد على الأقل فى المنزل، صار أمرا أساسيا، يفوق أهمية أى جهاز آخر.

«عريس جديد»؟ اشترى التكييف قبل الغسالة والتليفزيون!

مكان عمل بلا تكييف هو «غرفة تعذيب».

وسائل نقل غير مكيفة «أفران» متحركة.

مصالح حكومية وجهات خدمية تلطف عن المواطنين بـ«مراوح فى السقف» أماكن غير آدمية.

حتى فى التاكسيات أو سيارات الأجرة الخاصة، لا يوجد شيء اسمه «ما فيش تكييف»، أو «التكييف عطلان».

لن يدفع سائح عربى أو أجنبي، أو حتى مواطن مصري، جنيها واحدا «زيادة» لسائق يرفض تشغيل تكييف السيارة.

وحسنا فعلت منظومة النقل والسكك الحديدية، عندما بدأت تعميم عربات المترو والقطارات المكيفة فى الخطوط الجديدة، ويا حبذا، لو اهتمت أيضا بالأوتوبيسات العادية تدريجيا.

فهل تفطن الدولة لذلك سريعا، وتتخذ ما أمكن من إجراءات، ليس فقط لـ»تكييف» ما هو غير مكيف فى حياتنا اليومية، وإنما أيضا لتخفيف نفقات شراء واقتناء جهاز تكييف، بعد أن أصبح هذا الجهاز الذى اخترعه الأمريكى ويليس كاريير عام 1902 مرادفا لاستمرار «الحياة»، وبقاء النوع، ومحاربة «الاحتقان»؟!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية