منذ نحو ثلاث سنوات، شنت محافظة الجيزة حملات موسعة لإزالة كل ما يعوق رؤية النيل، فأزالت قاعات أفراح تابعة لنقابات مهنية، وعائمات نيلية، بل أزالت أشجارا من نادي النيل للبيطريين لأنها (مخالفة للاشتراطات الفنية المطلوبة من حيث إعاقة الرؤية بوضوح لكورنيش النيل)، مثلما ورد في خطاب رسمي صدر حينها من حي العجوزة. ولم تقتصر هذه الحملات على الجيزة بل تابعنا في التوقيت نفسه أخبارا مماثلة في مختلف المحافظات.

لكن في العامين الأخيرين تحديدا، تغير الوضع واستفحلت الظاهرة بشكل ملحوظ، فمن يرتاد كورنيش النيل في كل من الزمالك والمعادي، سيفاجأ بالواجهات التي ترتفع لنحو أربعة أمتار بطول الكورنيش، بناها أصحاب الكافيهات المتلاصقة، لتحجب تماما رؤية النيل، بل ربما قد لا يفطن أي زائر للمنطقة أو سائح؛ أن وراء تلك الأسوار العالية يقبع كورنيش النيل. وليت تلك الواجهات تتمتع بشكل جمالي محبب، بل هي عبارة عن بناءات بألوان متضاربة ومواد بناء متنافرة، وأنوار زاعقة، لتفضي إلى تشوه بصري مزعج.

منذ سنوات بعيدة في عصر «الكازينوهات» النيلية، كان المدخل عبارة عن باب حديدي بسيط، لا يحجب النيل، يليه درج يفضي إلى حيث يجلس الزائرون على طاولات بمحاذاة النهر، أما الآن فأصبحت الكافيهات غالبا ذات دورين، وفي كل منهما يتم تكديس الطاولات بشكل خانق يفتقر تماما للخصوصية.

ما يحدث يمثل تحديا للدستور الذي يكفل لكل مواطن الحق في التمتع بالشواطئ والبحيرات والممرات المائية، ويكفي أنه ليس بإمكان كثيرين ارتياد هذه الكافيهات بما تتطلبه من مستوى مادي معين، فيبقى على الأقل أن نترك لهم فرصة التمتع بمجرد رؤية النيل!.