فى أواخر السبعينيات؛ لم يتردد لحظة د.فؤاد حلمي، محافظ الإسكندرية آنذاك فى قبول فكرة الكاتب والفنان كمال الملاخ بتأسيس مهرجان لسينما البحر المتوسط، إيمانا منه بأهمية مثل هذا المهرجان لأهل الإسكندرية، فذلل كل العقبات حتى يرى المهرجان النور، ليصبح عمره الآن 40 دورة سينمائية.

أتذكر تلك الواقعة، بينما يسعى السيناريست حمدى نوار جاهدا منذ نحو شهرين لعرض مسرحيته «ليالى المحروسة» فى مدينة دمنهور مسقط رأسه، إيمانا منه بواجبه كمثقف تجاه أهل مدينته. على مدى الأسابيع السابقة، لم يتمكن نوار من لقاء محافظة البحيرة الشابة د.جاكلين عازر، للحصول على موافقتها على عرض المسرحية التى عرضت بالفعل على مسرح السامر التابع لهيئة قصور الثقافة، تنفيذا لبروتوكول بين وزارتى الثقافة والتربية والتعليم، بتقديم المناهج الدراسية فى شكل فنى لجذب الطلاب، وهذا ما تحققه المسرحية،إذ تعرض بشكل درامى منهج التاريخ من الابتدائى للثانوي، بدءا من عهد محمد علي، وانتهاء بثورة 30 يونيو. شرح نوار مرارا للسادة فى مكتب المحافظة أنه لن يكلفهم أى نفقات، فالمسرحية ستعرض على أى مسرح تابع لوزارة الثقافة، ولن يحصل فريق عملها على أى أجر، وكل المطلوب توفير النقل وإلاقامة لفريق المسرحية ليومين فقط فى مكان تابع للمحافظة، فكان ردهم ضرورة الحصول على موافقات لعرض المسرحية، رغم أنها عرضت بالفعل فى القاهرة.

أتصور أن المحافظة الشابة تدرك جيدا دورها فى إتاحة وتكثيف الأنشطة الثقافية لأهالى محافظتها، وأتصور أيضا أنها تدرك تبعات غياب العدالة الثقافية، الذى يعانى منه سكان المحافظات فى ظل تركز الفعاليات الثقافية فى العاصمة، وكل ما نرجوه منها أن تسهم فى تحقيق هذه العدالة المفقودة،فأهالى المحافظات هم الأولى بالثقافة.