تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نشأت الديهي > من يحرك "الشارع الافتراضي"؟

من يحرك "الشارع الافتراضي"؟

لم يعد الشارع هو الميدان الذي نعرفه، ولا الساحة التي تلتقى فيها الهتافات واللافتات بل صار له وجه آخر أكثر خطورة شارع افتراضي، يصنع ويدار عبر شاشات مضيئة وأصابع تتلاعب بالأكواد والخوارزميات السؤال الذي يفرض نفسه اليوم من يحرك هذا الشارع الجديد ومن يحدد اتجاهاته وصحبه وسكونه؟ 

الشارع الافتراضي، على عكس ما يتصور الكثيرون ليس فضاء حرا بالكامل، ولا ميدانا بلا ضابط المحرك الأول له هو الخوارزميات، تلك الأكواد الخفية التي تحدد ما تراه وما يخفى عنك، متى يُرفع الغضب الجمعي ومتى تغرق الناس فى موجات من الترفيه أو السخرية. الخوارزميات ليست محايدة، بل تصاغ وفق مصالحالشركات المالكة للمنصات، ولمن يدفع أكثر في عالم الإعلانات والسياسة. 

لكن الخوارزميات وحدها لا تكفي هنا يأتى دور الحكومات وأجهزة النفوذ . حين اجتمع بنيامين نتنياهو مؤخرا مع مؤثرين أمريكيين، لم يكن اللقاء مجرد دردشة، بل كان تخطيطا لحرب روايات تدار على منصات السوشيال ميديا. الرجل يعلم أن المعركة لم تعد بالبندقية وحدها، بل بالهاشتاج والمقطع القصير والحملة الموجهة. من هناك أيضا جاء التعاقد مع شركات كبرى مثل يوتيوب وجوجل لإنكار وجود مجاعة في غزة عبر حملات دعائية ضخمة المشهد يوضح كيف أصبحالشارع الافتراضي ساحة معارك سياسية لا تقل خطراً عن ساحات القتال. 

لعل ما جرى في نيبال يقدم نموذجا صارخا لهذا التحول. ففي بلد يعاني هشاشة سياسية واجتماعية، لعبت المنصات الرقمية الدور الأكبر في صياغة المزاج العام عبر حملات مضادة وأخبار زائفة، حتى أصبح الشارع الافتراضي أهم من الشارع الحقيقي. الانتخابات لم تحسم فقط بالصناديق، بل بحملات رقمية قادرة على قلب الرأى العام خلال أيام. 

إلى جانب ذلك، هناك جيوش الذباب الإلكتروني التي تحركها دول أو جماعات تعمل على إغراق الفضاء العام بهشتاجات وصراعات مفتعلة. هذه الجيوش قادرة على خلق معارك وهمية تشغل الناس عن قضاياهم الجوهرية، وتعيد توجيه المزاج العام حيثما يريد صانعها. 

لا يمكن أن نغفل دور المؤثرين الذين يتحولون إلى واجهات بشرية في هذه الحرب كثير منهم يلبس قناع العفوية بينما هو في الحقيقة أداة ضمن منظومة أكبر، تملى عليه ماذا يقول ومتى يقول هو ليس سوى جندي في معركة السيطرة على العقول، لكنه يتخفى في صورة شاب بسيط أو فتاة طبيعية تتحدث من القلب. 

إن أخطر ما في هذا الشارع الافتراضي أن ضحاياه لا يشعرون أنهم ضحايا المواطن يتصور أ ور أنه يختار بحرية يكتب رأيه، يتابع ما يحب، لكنه في الحقيقة يقاد بخيوط غير مرئية، تصنع له مشاعره وتوجه غضبه وفرحه وحتى سكونه. نحن أمام شارع تدار أنواره وكاميراته وصراعاته من خلف الستار، بينما يظن العابرون أنهم أحرار في حركتهم. 

السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا بصدق هل نملك أدوات مضادة نحمى بها وعى شعوبنا من هذا الغزو الخفي؟ أم سنظل نتفرج على عقولنا وهي تقاد في طرق مرسومة سلفا ؟ إن معركة الشارع الافتراضي هي معركة البقاء للعقل الجمعي، معركة وعى قبل أن تكون معركة سياسة، ومن لا يملك أدواتها سيجد نفسه مجرد تابع يسير خلف من يحرك الخيوط.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية