تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لا ظلم اليوم
الشعور بالظلم واحدًا من أقسى التجارب التي يمكن أن يمرّ بها الإنسان. فالظلم لا يجرح الجسد، بل يستوطن الروح، ويترك فيها ندوبًا لا تُمحى بسهولة. عندما يشعر الإنسان بأن حقه قد سُلب، أو أن ميزان العدل قد انحاز إلى غير الحق، تنطفئ داخله الكثير من القيم التي تقوم عليها الحياة الإنسانية السوية: الشعور بالانتماء، الثقة في الغد، والإيمان بأن العالم محكوم بقواعد يمكن التنبؤ بها. أكثر من ذلك، فإن القهر — ذلك الإحساس الحارق بالعجز أمام سلطة أو قرار — هو السم البطيء الذي يتسلل إلى القلب حتى يغتال الروح ويحوّل الإنسان إلى كيان منطفئ، فاقد للأمل والقدرة على العطاء.
@@@
لهذا السبب كان العدل منذ فجر التاريخ هو أساس الحكم الصالح، وهو المعيار الذي يُقاس به نجاح الحكّام وفشلهم. فالحاكم العادل هو الذي يدرك أنّ مسؤوليته الأولى هي حماية الناس من الظلم، ورد المظالم إلى أهلها ، وأنّ أي خلل في ميزان العدل كفيل بأن يهدم الدول مهما بلغت قوتها العسكرية أو الاقتصادية ، الحاكم العادل لا يقبل أن يقع ظلمٌ على أحد من رعيته، ولا يسمح بأن يتسرّب شعور القهر إلى صدور الناس. وهو، قبل كل شيء، يضع مخافة الله نصب عينيه، لأنّ الحكم تكليف وليس تشريفًا، وأمانة وليست امتيازًا.
@@@
الحاكم القوي حقًّا، هو الذي يواجه الأخطاء لا الذي يتغاضى عنها. القوة ليست في البطش، بل في القدرة على الاعتراف بالخطأ وتصويبه، على محاسبة المقصّر أيًا كان موقعه، وعلى الوقوف إلى جانب الحق مهما كانت الكلفة السياسية أو الإعلامية. فالدولة التي لا تُصلح أخطاءها، تدفع ثمنها مضاعفًا. والدولة التي تخشى مواجهة أصحاب النفوذ، تفقد احترام الناس وثقتهم.
@@@
في هذا السياق، جاء موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي — كما عبّر عنه بيانه الأخير المتعلق بملف الانتخابات — ليحمل دلالة مهمة. حين دعا “جهة الاختصاص” إلى مخافة الله وإحقاق الحق والانتصار لإرادة الناس، كان يوجّه رسالة واضحة بأنّ إرادة الأمة هي السقف الأعلى، وأنّ أي شبهة ظلم أو تجاوز لا ينبغي السكوت عنها. هذا الموقف، سواء اتفق الناس أو اختلفوا حول تفاصيله، يعكس إدراكًا بأنّ قوة الدولة لا تعني غياب الخطأ، وأنّ العدالة هي حائط الصد الأول ضد الفتن والاضطرابات.
@@@
ولا شك أنّ الذاكرة المصرية تستدعي تلقائيًا ما قاله الرئيس الراحل محمد حسني مبارك — رحمه الله — في حادثة مشابهة حين قال عبارته الشهيرة: “خليهم يتسلّوا”. تلك الجملة لم تكن مجرد رد عابر، بل أصبحت رمزًا لمرحلة كاملة من الاستهانة بالمطالب الشعبية، وأسهمت — كما يرى كثيرون — في تسريع الأحداث التي انتهت بما انتهت إليه. لم يكن الظرف مشابهًا تمامًا، ولا كانت الدولة في الوضع ذاته، لكن النبرة التي يصل فيها الحاكم إلى الناس هي ما يصنع الفارق بين الثقة والغضب، وبين الإصلاح والانفجار.
@@@
أما اليوم، فالدولة المصرية تقف على أرض أكثر صلابة، لكنها في الوقت نفسه أكثر وعيًا بحساسية الظرف. قوة الدولة لا تعني أنها “ليست ظالمة”، بل تعني أنها قادرة على تصويب أخطائها إذا وقعت، وقادرة على حماية مسيرة الاستقرار دون أن تتجاهل أصوات الناس. الدولة القوية ليست تلك التي لا تسمح بالاعتراض، بل التي تسمح به وتستفيد منه. الدولة العادلة ليست التي تخلو من الأخطاء، بل التي لا تتسامح مع الخطأ حين يظهر.
@@@
لقد كان البيان الأخير رسالة بأنّ العدل ضرورة وليست خيارًا، وأنّ إرادة الأمة لا تعلو عليها إرادة أخرى، وأنّ الدولة القوية هي التي تتقي الله وتحاسب نفسها قبل أن يحاسبها الناس. وفي زمن تتشابك فيه الأزمات وتتداخل فيه المصالح وتكثر فيه الإشاعات، يبقى العدل هو البوصلة التي تمنع السفينة من الانحراف مهما كانت العواصف.
@@@
“لا ظلم اليوم” ليست مجرد عبارة؛ إنها منهج حكم، وقاعدة حكماء، وسر بقاء الدول واستقرار الشعوب.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية