تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
التغريدة القاتلة.. حين تنقلب الشعارات على أصحابها
فى السياسة، ليست كل الكلمات عابرة، وليست كل التغريدات عفوية. أحيانًا تكفى جملة قصيرة، منشورة فى توقيت خاطئ، لتفتح أبوابًا لم يكن صاحبها يتخيلها، ولتكشف تناقضات كامنة خلف شعارات براقة. هذا بالضبط ما حدث مع التغريدة التى نشرها كير ستارمر، رئيس وزراء بريطانيا، مرحّبًا بوصول علاء عبدالفتاح إلى المملكة المتحدة، ومؤكدًا أن الإفراج عنه كان على رأس أولويات حكومته.
>>>
بدت التغريدة استفزازية، بل ومهينة ـ. فمصر دولة ذات سيادة، وقضاؤها أصدر أحكامًا نافذة ضد شخص أُدين بجرائم واضحة، ولم يكن يومًا «سجين رأي» كما حاول البعض تسويقه، بل ناشط دعا صراحة إلى العنف، وطالب علنًا بقتل رجال الجيش والشرطة، واستخدم أقذر الألفاظ فى التحريض ضد الدولة ومؤسساتها. ومع ذلك، صمدت الدولة المصرية لسنوات أمام ضغوط سياسية وإعلامية هائلة، ورفضت الانصياع لحملات الابتزاز تحت لافتة «حقوق الإنسان».
>>>
وعندما قررت مصر فى لحظة سياسية محسوبة أن تُغلق هذا الملف، لم يكن ذلك استسلامًا، بل قرار دولة تُوازن بين اعتبارات معقدة تتعلق بالمصلحة الوطنية والأمن القومى والعلاقات الدولية. قرار لا تُفسره العناوين الصحفية ولا يصلح مادة للمهاترات الإعلامية. مصر قدّمت لشركائها وحلفائها، ولمن يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان، وثائق ومعطيات واضحة تُثبت أن علاء عبدالفتاح يتبنى أفكارًا فوضوية تلتقى – ولو بأدوات مختلفة – مع خطاب الجماعات الإرهابية. البعض اقتنع، والبعض الآخر تظاهر بالاقتناع، والبعض اختار تجاهل الحقيقة.
>>>
لكن المفارقة الكبرى لم تكن فى الإفراج ذاته، بل فيما تلاه. تغريدة ستارمر، التى أراد بها تسجيل «نقطة أخلاقية» أمام الرأى العام الغربي، تحولت إلى ما يمكن وصفه بـ«التغريدة القاتلة». فجأة، انتبه المجتمع البريطانى إلى اسم لم يكن حاضرًا بقوة فى وعيه: من هو علاء عبدالفتاح؟ ماذا كتب؟ ماذا قال؟ وما هى مواقفه الحقيقية؟
>>>
بدأ البحث، وهنا وقعت الصدمة. لم يجد كثيرون ما صُدِّر إليهم لسنوات باعتباره «رمزًا للحرية والديمقراطية»، بل وجدوا خطابًا حادًا، راديكاليًا، يتجاوز النقد السياسى إلى التحريض، ويصطدم مباشرة بحساسيات غربية شديدة الخصوصية. المفارقة أن ما أغضب البريطانيين لم يكن ما أغضبنا نحن. نحن نرفض أى دعوة لقتل رجال الجيش والشرطة، ونعتبرها إرهابًا صريحًا لا لبس فيه. أما هم، فقد ثاروا عندما اكتشفوا أن علاء عبد الفتاح يهاجم الصهيونية ويستخدم خطابًا يصنف – فى نظرهم – ضمن «المحظورات السياسية».
>>>
هنا تتكشف بوضوح ازدواجية المعايير الأوروبية. حرية التعبير تُرفع كشعار حتى تمسّ مصالح معينة، ثم تتحول فجأة إلى جريمة أخلاقية وسياسية. النفاق ليس جديدًا، لكن الفضيحة هذه المرة كانت علنية وصاخبة. حملة شرسة اندلعت ضد حكومة ستارمر، ليس دفاعًا عن مصر، بل دفاع عن خطوط حمراء غربية لا علاقة لها بالقيم التى يُلقون بها المحاضرات على الآخرين.
>>>
دخل إيلون ماسك على الخط ساخرًا، وتحوّلت القضية إلى مادة سجال عالمي، وتزايد الضغط الداخلى على حكومة ستارمر التى بدت وكأنها لم تُجرِ الحد الأدنى من الفحص السياسى والفكرى قبل تبنّى هذا الملف. وربما، وليس مستبعدًا، تكون هذه الواقعة إحدى الضربات التى تُسرّع بتآكل شعبية الحكومة أو حتى رحيلها.
>>>
وهنا نصل إلى بيت القصيد. نحن فى مصر لسنا هواة نظريات، ولسنا بحاجة إلى دروس فى فهم خطر التطرف. نحن أكثر الشعوب خبرة بالإرهاب، وأكثر الدول التى دفعت ثمنه دمًا واستقرارًا. عندما طالبتُ منذ سنوات السفير البريطانى فى القاهرة بترجمة تغريدات علاء عبدالفتاح قبل الدفاع عنه، لم يكن ذلك تعنتًا، بل دعوة للفهم قبل إصدار الأحكام.
>>>
واليوم، وبعد أن تكشفت الصورة كاملة أمام الرأى العام البريطاني، أطالب الحكومة البريطانية بما هو أبسط وأكثر منطقية: إذا كنتم حريصين فعلًا على أمنكم واستقراركم، فابدأوا بمراجعة الملفات التى تجاهلتموها عمدًا. طرد محمد ناصر، وأسامة جاويش، وعناصر التنظيم الدولى للإخوان من أراضيكم لم يعد مطلبًا مصريًا فقط، بل ضرورة بريطانية قبل فوات الأوان. فالتغريدات قد تكون قصيرة، لكن آثارها – كما أثبتت هذه الواقعة – قد تكون قاتلة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية