تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
وصايا لعلاج أم المشكلات
بكلمات بسيطة وحاسمة وضع الرئيس عبد الفتاح السيسى يده على أم المشكلات حين قال قبل أيام: إن ما تواجهه مصر من تحديات يتطلب إعداد أجيال وكوادر على مستوى مرتفع من الكفاءة، وبأقصى جهد، بما يتواكب مع الخطط الطموحة للدولة، فى التنمية الشاملة والتقدم فى جميع المجالات.
كان الرئيس يتابع بنفسه جانبا من اختبارات المتقدمين إلى وظائف شاغرة فى الهيئات التابعة لوزارة النقل. ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يفتح فيها الرئيس ملف «الكوادر البشرية الكفء» التى نحتاجها فى أى عمل ونشاط فى كل جنبات الوطن، تحدث فيها قبل شهر فى اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء ووزير التربية والتعليم، لمتابعة جهود تطوير منظومة التعليم الأساسي، وطالب بالتركيز على تطوير الكوادر ومنظومة التعليم، فهما الأساس فى بناء الشخصية المصرية وصقل الأجيال الجديدة علميا وثقافيا ومعرفيا.
وفعلا الكوادر الكفء هى كلمة السر فى أى تنمية حقيقية، وعلى رأى الأمريكان حتى لو فيه مبالغة: خذوا كل تقدمنا، مصانعنا وثرواتنا ومواردنا وأتركوا لنا نظام إدارتنا، سنستعيد كل ما أخذتموه فى سنوات قليلة! وإن كانت هذه المبالغة نفذتها حرفيا اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، الأولى ضُربت بقنبلتين ذريتين، والثانية سقطت فى خراب هائل، وأى نظام إدارة هو فى النهاية كوادر بشرية قادرة على إدارة مواردها بكفاءة عالية. والكوادر بطبيعتها استثمار طويل الأجل، فالتعليم والتجهيز والإعداد والتدريب وإعادة التأهيل تحتاج إلى وقت، خاصة إذا كنا نبنى من القاع إلى القمة، ونحن لا نملك الآن براحا من الوقت، وعلينا أن نمضى فى طريقين متوازيين، خطة قومية طويلة الأجل، وخطة عاجلة تستهدف «الوصول» إلى كفاءات موجودة قد لا نعرف الطريق إليها، وقد دق لنا الرئيس جرس إنذار فى 2017 فى حفل خريجى المبادرة الرئاسية «رواد تكنولوجيا المستقبل» وقال: مصر زاخرة بالكفاءات لكن هناك مشكلة فى عدم القدرة على الوصول إليها والاستفادة منها».
وأهم هذه الكوادر المطلوبة هم المحافظون، لماذا؟، أولا لأننا فى حاجة ماسة إلى كفاءات فى وظائف حاكمة، تكون من ضمن مهامها أيضا الكشف عن كفاءات إضافية فى نطاق عملها، وثانيا: نحن فى مرحلة تنمية كل محافظات مصر، وهى الخطة التى ألزمت الدولة نفسها بتنفيذها ورمت بثقلها فى محافظات الصعيد التى عانت طويلا تباطؤ التنمية فيها. نعم نريد محافظين ذوى قدرات متميزة، والمحافظ هو أعلى سلطة سياسية وإدارية تمثل الحكومة المركزية داخل محافظته، ولم تعرف مصر وصف «المحافظ» بالمعنى الحديث إلا فى 1960، وصار عمرنا الآن فى نظام المحافظات والمحافظين 63 سنة، فيها تجارب ناجحة وتجارب لم تحقق المراد، ولو أعدنا قراءة هذه التجارب جيدا، يمكن أن نستخرج منها ما ينقصنا ونكمله، وهنا يمكن أن نستفيد من دراسة الدكتور «عبدالحميد كمال»، (المحافظون فى مصر واللامركزية (1960-2020)، ود.عبدالحميد ليس باحثا فحسب، فهو كان عضوا فى البرلمان عن محافظة السويس، أى له خبرات شعبية وسياسية فى محافظة تمتاز بوعيها السياسى العالي، ولها تاريخ عظيم فى النضال المصري، خاصة فى حرب أكتوبر، باعتبارها المدينة التى كسرت غرور الدبابات الإسرائيلية التى عبرت الثغرة وحاولت أن تحتل المدينة، فأذاقتها المدينة طعم الهزيمة على يد أبنائها. صحيح أن الكتاب يستعرض تفاصيل نظام المحافظين واختياراتهم ومهام وسلطات المحافظ ووضعه القانونى والأبعاد الاجتماعية والسياسية للإدارة المحلية والمشكلات الراهنة والتحديات التنفيذية، لكن الأهم هو تجربة السويس التى يفرد لها الفصل الرابع والأخير من الكتاب، فدراسة تجربة بعينها بعيدا عن العموميات تضع أيدينا على التفاصيل الدقيقة التى يمكن أن تغيب عنا ونحن نتابع الصور الكلية، وإن كانت احدى الصور التى لفتت انتباهنا هى «الأسواق العشوائية»، ويبدو أنها ظاهرة تطارد جميع المحافظات دون استثناء، وهذا أمر جدير بالاهتمام البالغ من محافظى مصر جميعا، لتنظيمها وإدخالها حيز «الضبط والربط» بأفكار خارج الصندوق.
نعود إلى السويس والتنمية، وفيها أرقام تستحق أن نتوقف عندها..
- 23 محافظا للسويس خلال فترة البحث، ستة فقط استمروا أكثر من ثلاث سنوات، وينفرد اللواء سيف جلال بـ11سنة وخمسة أشهر، ليس فى السويس فحسب، بل فى كل محافظات مصر، من بين 472 محافظا.
- حى وحيد بالمدينة يسكنه نصف عدد سكان المحافظة (764 الف نسمة) وهو حى الأربعين الشعبي.
- معدل المواليد أقل من المعدل العام فى مصر، وكذلك معدل الزواج، لكن معدل الطلاق أعلى من المعدل، وكذلك معدل البطالة.
- بها 262 منشأة صناعية بتكاليف استثمارية تزيد على 54 مليار جنيه، ويعمل بها 57 ألف عامل، وفيها واحد من أكبر المشروعات التنموية فى مصر، هو مشروع تنمية شمال غرب خليج السويس، والمحافظة عموما تسهم فى الإنتاج الصناعى سنويا بقيمة 121 مليار جنيه تقريبا.
- 97 % من طرق المحافظة مرصوفة، لكنها بالقطع تعانى نقصا فى عدد الأطباء، فقط 455 طبيبا لثلاثة أرباع مليون مواطن، وإن كان عدد الأسرة فى المستشفيات الحكومية اعلى من المتوسط العام.
ثم ينتقل د.عبد الحميد كمال إلى المشكلات والمخالفات وتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات ويرصدها تفصيليا، ولا تختلف السويس عن أى محافظة أخرى فى أزمات الإسكان والبيئة والخدمات الثقافية والبنية الأساسية المتأخرة فى منطقة عتاقة الصناعية..الخ. والأهم أنه يحدد «معيار التنمية» حكما على كفاءة أى محافظ، وهو معيار يسهل حسابه. هل يمكن أن نستفيد من هذه الدراسة التفصيلية فى تطوير نظام اختيار المحافظين وتنمية مصر؟
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية