تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > من مواطن مصرى إلى الرئيس ترامب!

من مواطن مصرى إلى الرئيس ترامب!

لست معتادا على مخاطبة رؤساء أجانب، ولا أحب، خاصة معكم، فتاريخكم المكتوب فى الصحافة الأمريكية لا يشجعنى على الكتابة إليكم، لكننى أحترم الشعب الأمريكى الذى انتخبك أيا كانت الظروف التى ساقته إلى هذا الاختيار، وقد تكون رسالتى موجهةً إليهم بالدرجة الأولى، وما فعلته منذ قدومك إلى البيت الأبيض فى ولايتك الثانية هو الذى أجبرنى على ذلك، لست معنيا أن تشتبك مع المكسيك أو كندا أو كولومبيا أو بنما أو حتى تطارد كائنات فضائية، لتستولى على كوكبهم البعيد وتطوره عقاريا بالفنادق والكازينوهات والمنتجعات وملاعب الجولف، يعنينا نحن أهل المنطقة العربية، ولا تستهوينى تسمية الشرق الأوسط، لأنها وصف استعماري، اخترعه البريطانيون فى نهاية القرن التاسع عشر، وطورتموه أنتم إلى الشرق الأوسط الكبير حسب مصالحكم، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، نعم نحن أهل المنطقة العربية نرفض خطتكم فى الاستيلاء على غزة أو شرائها، وتهجير أهلها إلى مصر والأردن ودول أخرى لم تسمها وأدعيت أنها أحبت فكرتك، وبالمناسبة هى ليست فكرتك، هى فكرة الدكتور جوزيف بيلزمان الأستاذ بجامعة جورج واشنطن، وقدمها مكتوبة إلى فريقك الانتخابى فى يوليو الماضي، حين طلبوا منه خطة خارج الصندوق، لإصلاح غزة بعد الحرب، وفصل فيها إعادة الإعمار زراعيا وسياحيا وتكنولوجيا ، بشرط إخراج أهل غزة منها!

هى خطة لا تليق بالولايات المتحدة، فكيف ترضى لبلادك وهى تجلس على مقعد القيادة فى النظام الدولي، أن تتحول إلى «شخص»، لا يعنيه إلا «الربح واستغلال الفرص»، حتى لو بالقضاء على حلم 6 ملايين فلسطينى فى غزة والضفة بأن يعيشوا فى وطن مستقل مثل بقية خلق الله؟، ربما شيد أجدادك أساسات الولايات المتحدة على التطهير العرقى لسكانها الأصليين، هذا زمن قديم، لا تصلح أساليبه الآن فى عصر المعرفة والعالم المفتوح دون أن تهب عليكم عواصف عاتية من الرأى العام الكوني.

السيد الرئيس..هل يمكن أن تكفوا عن هذه الخطة؟، نسبة فشلها ألف ضعف فرصة نجاحها، لأسباب تتعلق بالتاريخ والثقافة والدين، وقد تمتعض من كلمات التاريخ والثقافة وتراها ثقيلة وسخيفة، لكنك بالقطع تكره الفشل، وقد جربته ست مرات، وذقت مرارته فى مشروع ترامب ستيكس وجامعة ترامب، ولا نريد لك ذلك، ليس من باب المحبة، لكن منعا لمزيد من الفوضى والصراعات والتوترات فى منطقتنا المضطربة، وأيضا من أجل سلامة العلاقات الأمريكية العربية، نعرف أنك تتحرك وكلك يقين أن بعضا من العرب قد يرجعون من طريق الرفض إلى الصمت، وقد تكون مخطئا، عموما موقف مصر مختلف، وقد فسره الرئيس عبدالفتاح السيسى بأساليب عديدة، ولعلمكم نحن المصريين جميعا نقف خلفه، وكنت تتصور أن المصريين فى أزمة اقتصادية صعبة، مهمومون بالأسعار وضيق الحال، ويمكن أن تستغل هذه الظروف، فى الضغط على حكومتنا لتقبل خطة الريفييرا الفلسطينية، وفى الحقيقة أنتم لا تفهمون المصريين، وقد أثبتوا لكم ذلك فى ثورة 30 يونيو2013، فهم الشعب الوحيد الذى لم يقع فى فخكم المنصوب ببراعة وحافظوا على وحدة وطنهم وجيشهم، هم شعب ذو جينات حضارية، والحضارة وعى عابر للزمن، وليس لقطة مخطوفة من التاريخ، وأنتم الأمريكيون لديكم مشكلة حقيقية فى فهم الشعوب أصحاب الحضارات القديمة الممتد تاريخهم فى الزمن، فمثلا كانت لكم أزمات مع الصين وإيران ولا تزال، وكذلك مع الهند لفترة ليست قليلة، فهى شعوب ذات تراكم من السمات المعقدة لا يسهل فك شفرتها.

ولا يسعنى سوى أن أشكركم، أنكم أظهرتم وحدة شعب مصر خلف قيادته فى موقف مصر من خطة تهجير الفلسطينيين، ومصر شعبا وحكومة موقفها بسيط للغاية وواضح جدا، أنها لن تقبل تصفية القضية الفلسطينية بأى شكل من الأشكال، فلا يمكن أن تخون نفسها وتاريخها وتلقى بـ77 عاما من التضحيات فى الوحل، ويستحيل أن تنحنى أمام الضغوط ومحاولات الابتزاز.

السيد الرئيس ترامب.. أؤكد لكم أن مصر دولة سلام، يهمها جدا علاقاتها بالولايات المتحدة، فهى تدرك قيمة بلادك ودورها فى العالم، وتثمن ما قدمته أمريكا من مساعدات لها، وسوف تحاول أن تحافظ على «هذه العلاقات»، وأن تمضى فى الطريق الصحيح للمصالح المشتركة، لكنها لن تقبل تهديدا، وسؤالي: لماذا تسعون إلى إعادة العلاقات المصرية الأمريكية إلى أيام الرئيس دوايت إيزنهاور ووزير خارجيته جون فوستر دالاس فى الخمسينيات، والتى دفعت سياستهما مصر دفعا إلى الابتعاد عن أمريكا ومد خطوط العلاقات الوثيقة مع الاتحاد السوفيتي.

مؤكد ثمة معلومات تنقصكم حين تتحدثون عن فلسطينيى غزة، وتقول إنهم سيكونون سعداء بالترحيل من أرضهم، هل سألتهم؟، هل أبلغك أحد منهم بهذه الرغبة؟، الفلسطينيون الحاليون استوعبوا تجارب أجدادهم البسطاء، الذين أجبرهم الإرهاب الصهيونى بالمذابح واغتصاب النساء على ترك ديارهم، وأعرف أن كلمة إرهاب صهيونى لن تعجبكم، لكن وقائع التاريخ تحكمها المعايير العلمية لا المشاعر والرغبات والأساطير الدينية، وهؤلاء الفلسطينيون المحدثون صهرتهم نيران ودماء ودمار 15 شهرا، فَصَفَّتْ سماتهم وأخرجت منها أشد عناصر الصمود والتحدي، فكيف تقنعهم بالتخلى عن وطنهم؟

وإذا كنت تريد حقا جائزة نوبل للسلام، فلها طريق أوحد هو حل الدولتين، وليس التهجير والتطهير العرقى وريفييرا لا تخص الفلسطينيين!

لكم تحياتي.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية