تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مصر أكتوبر ودائرة النار!
قد تصدقون أو لا تصدقون أن المعجزة التى صنعها المصريون فى حرب أكتوبر 1973 قد فتحت عليهم ابواب جهنم التى وصلت إلى دائرة النار التى تحيط بمصر الآن؟
نعم هى معجزة عسكرية وإنسانية واقتصادية بأى مقياس، وبأى حسابات منذ وعى الإنسان معنى التاريخ وسجل حروبه على جدران المعابد رسوما قبل أن يعرف الكتابة على الورق، لم تكن حربا انتصر فيها المصريون كأى حرب، كانت كشفا لجوهر مصر وجيناتها الحضارية فى شعبها؟
كيف لجيش يعود نصف تسليحه على الأقل إلى الحرب العالمية الثانية والسنوات العشر التالية لها أن يعبر قناة السويس أصعب مانع مائى بطول 172 كيلو مترا، وعرض يتسع فى مناطق كثيرة إلى مائتى متر، خلفها خط بارليف على الضفة الشرقية، أعقد الخطوط الدفاعية الحصينة التى أقامها البشر فى العصر الحديث، ساتره الترابى يرتفع عشرين مترا، وخط بارليف نفسه عبارة عن دشم شديدة الصلادة، مغطاة بأطنان من الحديد ومكعبات الأسمنت وشكائر الرمل والحجارة، وحولها أسلاك شائكة وكمائن من الألغام، وكل دشمة لها مزاغل تبزغ منها مواسير دبابات ومدافع ومناظير مكبرة تمسح كل شبر على الضفة الغربية، وأسفل كل حصن تختبئ أنابيب لها فتحات على القناة، متصلة بخزانات نابالم يمكن أن تحيل مياه القناة إلى جهنم تلتهم كل من يعبرها من جنود مصر؟
وقدر كل العسكريين الكبار فى جيوش العالم المتقدمة غربا وشرقا أن عبور هذه الموانع الهائلة لا يمكن أن يحدث إلا بقنبلة ذرية لا تملكها مصر، ولن تقل خسائر الموجة الأولى المهاجمة عن 80% من رجالها!
لكن المصريين بجيشهم فعلوها فى ست ساعات فقط وبقنبلة ذرية من المياه وبأقل خسائر ممكنة، وبعد أن (شرَّبوا) أقوى أجهزة المخابرات فى أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل وحلف الناتو «سائلا أصفر» قطروه بمهارة فائقة وسموه «خطة الخداع الاستراتيجي»!
منذ ذلك اليوم وهم يسألون فى الغرب وإسرائيل: ماذا لو هذا الشعب كان متقدما علميا واقتصاديا إلى مستوى جيناته الحضارية الكامنة تحت الجلد ويخفيها تراكم من صدأ تخلف مفروض عليهم؟
ماذا لو تخلصوا من فقرهم وعوامل تخلفهم؟
وكان السؤال الأهم: كيف نُعجزهم عن تكرار معجزتهم؟
افردوا خريطة الكرة الأرضية ودققوا النظر فيها من أقصاها إلى أقصاها، واطرحوا سؤالا على أى إنسان يعيش على الكوكب: ما هى الدولة التى تحيط حدودها دائرة نار من قلاقل وصراعات وحروب وأساطيل؟
لا تندهشوا..هى مصر، فى الشرق عدوها الأكبر إسرائيل، بالرغم من معاهدة السلام معها، فإسرائيل لا تفهم إلا لغة واحدة هى القوة المسلحة الغاشمة وسيلة وحيدة للتعايش والسيطرة، وما ترتكبه فى غزة والضفة الغربية ولبنان من جرائم هو تجسيد لهذه اللغة، أو ما يرد على ألسنة كبار متطرفيها من سياسيين وحاخامات ومستوطنين، ولو كانت تضمن نتائج أى عدوان على مصر، لفعلتها لتدفع بفلسطينى غزة إلى سيناء!
لكن رسائل مصر العملية من آن لآخر، عن طريق «تفتيش القتال» على فرق قواتها المسلحة كانت هى دقات التنبيه الزاعقه، فأبطلت أى أفكار خبيثة، لكن الصهاينة لم يفقدوا وهمهم بعد، حتى إن مقالا فى مجلة عسكرية تابعة لجيش الإبادة الإسرائيلى نشر فى أول عدوانها على غزة، حرض بكل وقاحة على مهاجمة مصر، لإجبار الفلسطينيين على الفرار من الإبادة إلى سيناء!
وفى الجنوب شريان حياة مصر،هناك حرب أهلية طاحنة فى السودان، وحكومة استفزازية فى إثيوبيا لا تحاول التفاهم على إدارة سد النهضة، وفى الغرب حكومتان فى ليبيا بعد هدنة داخلية، وأكثر من 20 ألف مرتزق، وفى الشمال أساطيل الولايات المتحدة وبريطانيا وقواعد عسكرية غربية!
والأكثر مدعاة للقلق والوجع، محيطها الذى تعيش فيه، محيط متقلب سممت الولايات المتحدة مياهه، وأعادت ترتيب أوراق دوله وفلسفة عملها، وباتت كثرة تتصرف بمنطق المكاسب السريعة لا المصالح العليا طويلة الأجل، علاقاتها قفزت فوق تراث اللغة والعادات والدين والتاريخ، إلى قليل من التعاون العلنى وكثير من التنافس تحت الحزام، وكان يمكن لهذه الدول أن تجلس معا على دائرة مستديرة ، وتؤسس نوعا من التكامل الاقتصادى زراعيا وصناعيا وتجاريا، مغلفا برؤية سياسية شاملة، تستغل فيه الميزات النسبية لكل منها، على أن تحتفظ بخصائصها وإمكاناتها الخاصة ونظامها العام، على غرار الاتحاد الأوروبى التى حاربت دوله بعضها بعضا داخل القارة العجوز لمئات السنين، وهو ما لم تقع فيه الدول العربية.
على العكس مضت دول كثيرة على هوى الولايات المتحدة التى عملت طول الوقت على تفتيت المنطقة وإشعال الحرائق الطائفية فيها، ومهدت كل السبل لتفتيت ليبيا والسودان والعراق وسوريا، وهاهى تخوض حرب إبادة ضد غزة ولبنان بأسلحتها وذخائرها وأموالها، بالتعاون مع إسرائيل، كجزء من دائرة النار حول مصر.
باختصار معجزة أكتوبر أشعلت قرون الاستشعار عند خصوم مصر، ومن فطنة الإدارة المصرية أن صنعت لمصر جيشا قويا محترفا قادرا على حمايتها، ومن المهم أن نبنى اقتصادا قويا منتجا للسلع والخدمات، يزيد من قدراتها على تلبية احتياجات مواطنيها ويقلل من حجم استيرادها ويسد العجز فى ميزان مدفوعاتها، ومصر فيها إمكانات كبيرة، لا أستوعب مثلا أننا نمتلك كل هذه الرمال النقية ولا نحولها إلى خلايا إلكترونية وشمسية!
نعم لدينا مشكلة فى مهارات البشر وقيم العمل، لكن معجزة أكتوبر أثبتت أن حلها أمر سهل، ومفتاح المصريين سبيكة من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والتعليم الجيد والتدريب، فدائرة النار لن تخمد دون هذه المعجزة!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية