تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

ماذا يحدث للمصريين؟

لست صاحب السؤال عاليه، وأصلا لم أفكر فيه، صاحبه هو الدكتور سمير فاضل أستاذ التاريخ وأمين عام مؤسسة المصريين للبحوث والدراسات الثقافية، ربما هو متأثر بكتاب الدكتور جلال أمين (ماذا حدث للمصريين؟، تطور المجتمع المصرى فى نصف قرن 1945- 1995)، والسؤال نفسه فكرة طرحتها مجلة الهلال فى 1996 على عدد كبير من الكتاب، لترسم صورة لحياة المصريين، وما طرأ عليها وهم مقبلون على ألفية جديدة، لعلهم يحاسبون أنفسهم على أخطاء ارتكبوها، فيبدأون صفحة جديدة إلى طموحات فشلوا فى تحقيقها من قبل، وقد أجاب الدكتور جلال على السؤال من وجهة نظره، ووثق الإجابة كتابا مهما، راصدا فيه أوجاعا اجتماعية واقتصادية وسياسية صاخبة.

 

وبعد 28 سنة تعود مؤسسة المصريين إلى السؤال، بصيغة الفعل المضارع «ماذا يحدث للمصريين؟، بحثا عن جديد يدفعهم إلى العمل بطريقة أكثر كفاءة، ومؤسسة المصريين مهمومة للغاية بالثقافة ودورها الأساسى فى تغيير المجتمع نحو الأفضل.

وبالفعل يصعب على أى مجتمع، إن لم يكن مستحيلا أن يصنع مستقبلا أفضل دون ثقافة حديثة تعلو بقيم العقل والوقت والإتقان والجدية والالتزام والابتكار، أفعالا منتظمةً سائدةً بين كل أفراد المجتمع، وليس كلاما وإدعاءً ظاهريا، فالثقافة هى ماكينة تشغيل المجتمع. وحين سألنى الدكتور سمير فاضل السؤال الصعب المراوغ، تلاحقت الأفكار مثل إلكترونيات متدفقة فى أنبوب مغلق، كلها تضرب فى حائط صد: كيف ظل هذا السؤال حيا ملحا كل هذه السنوات الطوال؟.. هل علينا أن نبحث فيما حدث أو يحدث؟ أم نبحث عن الذى لم يحدث، ولماذا ظللنا معلقين فى أزماتنا ومشكلاتنا نتأرجح منتظرين فرجا لا يهل؟

هنا لاحت صورة الفنان أحمد زكى فى نهاية فيلم ضد الحكومة، رن صوته وهو يدوى فى قاعة المحكمة: أنا مثالٌ للمحامى الفاسد، أدركت قانون السبعينيات ولعبت عليه، هنت عندما هان كل شىء، وسقطت كما سقط الجميع فى بئر سحيقة من اللامبالاة والإحساس بالعجز وقلة الحيلة، كلنا فاسدون لا أستثنى أحدا، حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة.

رددت عبارات بشير الديك كاتب السيناريو والحوار، وسألت الجمع الحاضر: هل تغير شيئا عما قاله أحمد زكى فى الفيلم؟

هزوا جميعا رؤوسهم بالنفي..

قلت: بالقطع تغيرت تفاصيل كثيرة فى حياة المصريين، ومازالت تتغير، وسائل النقل والانتقال، أدوات الاتصال، شكل الأفراح، أثاث البيوت، نمط الاستهلاك، الأزياء والموضة، الأفلام والمسلسلات، شكل التليفزيون وبرامجه، اللغة الدارجة فى الشوارع، الكافيهات، علاقات الأولاد بآبائهم وأمهاتهم.. نعم مئات التفصيلات تتغير بفعل «طبيعة العصر وأدواته فائقة السرعة»، لكن لم يقترب التغيير من أهم شىء فى حياتهم، وهو القواعد والإجراءات والأساليب والعلاقات التى يتحرك فيها المصريون فى كل تفاصيل أنشطتهم اليومية، مؤكد أن مظاهر حياة المصريين تتغير وتتبدل، لكن جوهر إدارة حياتهم لا يتغير، المظاهر المتغيرة لها تفاصيل جديدة، لكن جوهر الإدارة ثابت على حاله، لم يستطع أن يحل الأزمات والمشكلات، وإنما حافظ عليها وأحيانا يفاقمها ويفتح لها ملفات جديدة! هنا أتحدث عن المصريين عموما فى كل جنبات الحياة، أفرادا ومؤسسات، عاديين ومسئولين، بسطاء وقادرين، داخل البيت، فى العمارة، الناس مع الشارع سواء كانوا على أقدامهم أو يقودون مركبات: عجلة، موتوسيكل، توكتوك، ميكروباص، أتوبيس أو سيارة ملاكي..فى التعليم داخل الإدارة العليا ثم مع المدارس، داخل المدرسة: المدير والوكلاء والمدرسون وأولياء الأمور، فى وزارة التموين: الإدارات ومفتشو التموين والبقالات والأسعار..إلخ، يعنى لو دققنا فى كل «شىء» نجد أنفسنا نلف بنفس العقلية لكن بمظاهر متغيرة، لأن منهج الإدارة لم يتغير، وإن كانت ثمة حالات فردية من مؤسسات وقطاعات تغير فيها جوهر إداراتها ونجحت جدا. والسؤال لماذا؟

هذا الجوهر الثابت مرتبط بأمرين: الأول: علاقة المصريين بالسلطة، كل المصريين باستثناءات قليلة أيا كان مستوى هذه السلطة، وهى علاقة معقدة، سببها خلط فى مفهوم السلطة، مفهوم يبدو متوارثا، لا يريد أن يفرق بين السلطة كأداة وظيفية لإدارة حياة الناس وأنشطتهم فى أى مكان تمارس فيه، والسلطة كحق علوى للتحكم فى تصرفات الناس وشئون العمل بالطريقة التى يراها من يمارس أى سلطة، فى البيت والشارع والمدرسة والمستشفى والديوان والمؤسسة..إلخ. فى المفهوم الأول..السلطة مجرد وسيلة يتحرك الناس بقواعدها فى حرية وفهم وأريحية ومعايير للمحاسبة، فى المفهوم الثانى السلطة مركز قوة ينصاع الناس لها ويتحركون بخوف وترقب وضيق دون معايير.

الثاني: علاقة المصريين بالقانون، وهى تشبه علاقة «توم وجيري» فى الفيلم الكرتونى الشهير، مقالب ومكائد وثغرات وأساليب تحتية، ولو ضربنا مثلا بقانون المباني، لا أظن أن ثمة دولة فى العالم ارتكب شعبها هذا القدر من مخالفات البناء فى الستين سنة الأخيرة مثل المصريين، انظر إلى طرائق تعامل المصريين مع الشارع والرصيف والمرور فى مصر، وقارن بينها وبين سلوكياتهم فى البلاد الأجنبية حين يهاجرون إليها مؤقتا، قلب فى دفاتر أى محكمة أحوال شخصية أو قضايا تجارية يرعبك هذا القدر من التفنن فى اللعب بالقانون، ناهيك عن قوانين تصاغ بصرامة فائقة، لكنها تنتهى بما يفسدها من عينة «يجوز ويستثنى ويمكن»، وأحيانا تأتى اللوائح التنفيذية لقانون على هيئة غربال فتحاته فى حجم فيل.

القانون أساس تنظيم العلاقات ومواجهة مشكلاتها على نحو ملزم، وحين يمرض وتتغلب عليه المصالح يفقد جزءا من قدراته وأدواره فى ضبط المجتمع.

باختصار علينا أن نعيد التفكير بجدية فى تغيير إدارة حياتنا فرديا وجماعيا، على أن يحكمها مبدأ العدالة، وإلا ظل السؤال المراوغ محلقا فوق رؤوسنا!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية