تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > ليس دفاعا عن محمد سامى والذين معه!

ليس دفاعا عن محمد سامى والذين معه!

سؤال ساذج للغاية: هل أزمة الدراما تختلف عن أزمة برامج الفضائيات عن النميمة والأسرار الخاصة والمقالب المثيرة وحكايات النجوم؟ قد يندهش أحدكم ويتعجب ساخرا: ما الذى جاء بالقلعة جنب البحر؟، للأسف العلاقة وثيقة للغاية، فإذا كانت بعض أعمال الدراما قد استطعمت العيش على مآسى التجارب الإنسانية، فإن بعض وسائل الإعلام ابتعدت عن دور «الفنارات» التى تضيء الدروب المعتمة، والبرامج أبحرت فى مياه التسلية الضحلة التى تشبه قزقزة اللب التى تسبب السمنة وتضر بالصحة العقلية!.

نحن أمام أزمة ثقافية لا أزمة درامية، أزمة وعى لا أزمة مسلسلات عنف ومكائد وتفتت عائلى وكراهية زاعقة وتجارة مخدرات وآثار وسلاح ورقص وألفاظ وقحة ونفوس معقدة، أزمة فى مفاهيم كبرى، لا أزمة فى تفاصيل صغيرة.

تخيلوا مثلا لو مطربة ذات صوت بديع، وقفت أمام جمهور المسرح، أو فى برنامج تليفزيونى تشدو بقصيدة «أراك عصى الدمع» لأبى فراس الحمداني، أو «سلوا قلبى» لأحمد شوقي، بينما ينافسها مغنى مهرجانات يتراقص فى مسرح قريب أو قناة فضائية أخرى، ويغنى بصوت صعب: «هافتح محضر وكله يحضر»، أو «فى نص الليل بكلمها»، ما النتيجة؟، مؤكد أن أغلب الجمهور سوف يعترضون على المطربة وأبى فراس الحمدانى وأحمد شوقى وربما يلقون زجاجات المياه عليها، أو يدوسون بعصبية شديدة على زر تغيير المحطات التليفزيونية إلى مطرب المهرجانات.

من فضلكم لا تلوموا الجمهور، ولا تتلمزوا عليه، ولا تتفوه بألفاظ تنتقص من قدره، فهذا الجمهور صنيعتكم، نحن الذين رَبيْناهم على هذا النوع من الفن والثقافة، أو على الأقل القينا بهم إلى السوق بكل صخبه وألاعيبه «اللى تغلب به..العب به»، واللعب على الغرائز مكاسبه مضمونة!.

بالمناسبة لم يخل الفن المصرى ولا الثقافة المصرية أبدا من أعمال شعبية من نوعية «المهرجانات»، سينما ومسرح وغناء وأدب..الخ، لكنها كانت فرعا فى نهر كبير متنوع، لم تصل أبدا إلى قلبه، خاصة بعد النهضة الثقافية التى ولدت مع بدايات القرن العشرين وتوسعت بعدها.

بعض أعمال الدراما الحالية هى تعبير عن حال «العقل والتفكير والتلقي»، ولا يمكن أن يصنع مؤلفوها ومخرجوها أعمالا من عينة: «الليل وآخره» أو ليالى الحلمية أو العائلة أو جمهورية زفتى، أو الضوء الشارد، أو الوتد أو «هارب من الأيام» الذى كان أول مسلسل عربى بدأ بثه فى 23 يوليو 1962، لأن البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية تغيرت، وتغير معها جزء كبير من ذائقة الجمهور، نعم لا يزال جمهور الكلاسيكيات موجودا ونشيطا، لكنه أقلية.

والأهم أن بعض وكالات الإعلانات قد تدير ظهرها لهذا النوع من الدراما، ولا تقدم له ما يستحق من حصص إعلانية، وهى لها دور خطير فى تربية ذوق الجمهور، وباتت تؤثر فى نمط الإنتاج التليفزيونى دراميا وبرامجيا، وتحدد قيمة كل نجم فى السوق.

شىء طبيعى جدا مع شيوع غناء المهرجانات أن تعلو دراما المهرجانات وتعزف على مشاعر الجمهور، رقص، خيانات بكل أشكالها، أبناء تائهون أو مخطوفون من الصغر، عائلات تقطع فى بعضها طول الوقت، منتقمون من الظالمين، علاقات عاطفية مرتبكة ومربكة، شخصية خسيسة مع شخصيات نصف سوية يعدل بها الميزان فى نهاية الحلقات. هؤلاء الفنانون يعملون وينتجون وفق «قواعد السوق» وليس حسب القيمة الفنية، لصناعة الشغف وليس المنطق الدرامي، وبما يناسب «عشوائية» فى التفكير والسلوكيات» ناتجة عن تراجع ثقافي، وبالمناسبة أغلبهم شطار فى مهنتهم ويتقنون أصولها ويجيدون مغازلة الملتقى.

وفى النهاية الفيلم أو المسلسل أو الكتاب أو الجريدة أو البرنامج أو الأغنية سلعة، تخضع لقانون السوق، عرض وطلب، حتى لو كانت ذات أهمية خاصة فى بناء العقل وصيانة وعى المجتمع، فإذا لم تجد مشتريا بارت وضاعت فلوس المنتج، ولن تنفعه القيمة الفنية، إلا إذا كان المنتج مؤسسة رسمية لها دور فى صناعة وعى عام فى مواجهة وعى مفقود، وأن تكون قادرة على إنتاج أعمال تجمع بين الجاذبية والقيمة العالية، ويمكنها أن تتحمل خسائر إعادة تشكيل ذائقة الجمهور، إلى أن تحقق نجاحا ومكاسب مالية، (تجربة اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى فى إنتاج المسلسلات والبرامج، أما خسائره بالمليارات فهى نتاج سوء تصرف إدارى ومهنى، ولا تخص الأعمال الفنية)!.

نعود إلى الثقافة أساس الوعى، والثقافة ليست المعلومات أو الشهادات التعليمية، الثقافة حالة عقلية، خليط من معرفة وتجارب وتعليم وعادات وقيم وتقاليد..الخ، تشكل رؤية الإنسان لنفسه وللحياة، والمعلومات مجرد وسيلة من وسائل الفهم قبل اتخاذ أى قرار. يقول طه حسين: الثقافة والعلم أساس الحضارة، ويفسر المبدع يوسف إدريس معناها فى مقال نشره فى الأهرام بعنوان «أهمية أن نتثقف يا ناس»، يقول فيه: «الثقافة ليست مجرد تحصيل معلومات من كتب الثقافة، بل هى أساسًا جزء مكمل بالضرورة للتعليم، فتعليم بلا ثقافة لا يتعدى خلق كائنات ميكانيكية لا تجيد إلا صنعة أو حرفة يد، بل حتى هذه الحرف دون عقل يحتوى الحد الأدنى من الثقافة يصبح صاحبها عاملا معوقا فى نفس صميم حرفته أو صنعته».

باختصار مواطن بلا ثقافة يشاهد ويتذوق ويتصرف فى الشارع أو العمل أو أمام التليفزيون، بنفس نمط غناء المهرجانات، وبالتالى تأتى بعض أعمال محمد سامى والذين معه على هذه الشاكلة.

راجعوا أهم التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعى أو الفيديوهات، الأكثر غوغائية هو الأكثر متابعة ومشاهدة. نعم..الإصلاح ليس مسلسلا أو برنامجا, وإنما هو عمل أوسع من ذلك.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية