تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > لعبة حقوق الإنسان فى قمة المناخ!

لعبة حقوق الإنسان فى قمة المناخ!

رائع أن يناضل العالم من أجل حقوق الإنسان، فالإنسان هو ملح الأرض وزهرتها اليانعة، فإذا لم ينل حقه فى الرعاية، سكنا وطعاما وتعليما وعلاجا ونظاما وحرية، فمن المؤكد أن تذبل الزهرة وتضمر، وتنفث سمومها فى فقر يتسع وعنف يزداد وجريمة تتوحش، لكن من الفساد أن يناضل الغربيون المتحضرون الأغنياء على حقوق الإنسان حسب مصالحهم ومخططاتهم وما يريدونه فى علاقاتهم الدولية، فهو نضال ملوث مشبوه، وقد ظهر ذلك جليا فى جلسة العدالة المناخية فى مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، قطعا لا نصادر حق أحد فى أن يدافع عن علاء عبد الفتاح، سجين مصرى محكوم عليه بخمس سنوات مدانا فى اتهامات منسوبة إليه، وأن يعقدوا له ندوات ويطالبوا بالإفراج عنه، بشرط أن يتمتع الرافضون لهذه المطالب بنفس الحقوق فى التعبير عن أفكارهم وأسبابهم، لكن على العكس لم يسمح هؤلاء الغربيون بالمخالفين لهم وطردوهم من الجلسة وشنوا عليهم نوعا من الإرهاب النفسي، لمنعهم من الكلام!.

أى حقوق إنسان هذه؟ هل تذكرون الصورة التى نشرت على الإنترنت مؤخرا، عن جنود يحيطون بأسيرة ينتهكون آدميتها، قال ناشرها إنهم جنود روس وأسيرة أوكرانية، فهطلت التعليقات بغزارة عن الوحشية الروسية، وحين قال الناشر إنهم لم يكونوا روسا بل إسرائيليين وأسيرة فلسطينية، جفت التعليقات كما لو أن شبكات التواصل الاجتماعى تصحرت فجأة!. هو نفس رد الفعل حين أطلق الجنود الإسرائيليون قبل شهور وابلا من الرصاص عمدا على الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، لأنها تنقل ما يحدث على أرض الواقع، ولم تكن تحرض على عنف أو قتل رجال الشرطة أو التخلص من الجيش الإسرائيلى وتفكيكه كما فعل علاء عبدالفتاح فى تصريحاته وتدويناته!.

ومن يقرأ تاريخ الحضارة الغربية لن يدهشه هذا التناقض، ولن تفاجئه جماجم الضحايا العالقة بجذورها منذ عصر الاكتشافات الجغرافية وإلى الآن، فهى تشبه شجرة الموت فى الأساطير القديمة، تنمو على دماء الكائنات التى تعْلق بها، وكلما تطفح المصالح تتعرى الوحشية المخزونة تحت جلدها، ألم يصنع قادة الغرب أكثر من 150 حربا فى القرن العشرين فقط، منها حربان عالميتان لأسباب خاصة بالموارد الطبيعية والثروة والسيطرة، أُزهقت فيها أرواح ما يقرب من 170 مليون إنسان!.

المدهش أن المائة سنة الأخيرة من تاريخ البشر هى الأكثر تقدما فى العلوم والفنون والمعرفة عموما، وأيضا هى الأكثر دموية ووحشية، أى يتشكل وجهها الحضارى من الأوتار والأنياب، النبيذ والدم، الملائكة والشياطين. لم يتصور مفكرو النهضة الغربية الحديثة هذا الوجه القبيح للحضارة التى عملوا على تأسيسها، بل إن فلاسفة القرن التاسع عشر رسموا عالما ورديا يسوده السلام وتحكمه المعرفة، وكتب هربرت جورج ويلز أن التاريخ الإنسانى كان سباقا محموما بين التعليم والنكبات، وأن المعرفة قادرة على تغيير هذا التاريخ المؤلم ودفعه نحو السلام، فالمعرفة هى الحكمة والرؤية والبصيرة والعدل. لكن جنون الساسة لم يأتِ أبدا على هوى المفكرين، ولم تصد المعرفة جحافل الوحشية الكامنة، فالألمان الذين كانوا أفضل شعوب الأرض تعليما هم من أوقدوا جحيم الحرب العالمية الثانية، وشاركهم اليابانيون أكثر البشر أدبا.

وعندما انتحر النازى أدولف هتلر ودخلت جيوش الحلفاء برلين وانهار الجيش اليابانى فى آسيا، وكادت أبواب الجحيم تُغلق، اندفعت الولايات المتحدة وألقت قنبلتين ذريتين على هيروشيما ونجازاكي، لتقدم أوراق اعتمادها الرسمية زعيما حضاريا جديدا على أشلاء ودماء مائة ألف إنسان تبخروا فى دقائق، دون سبب حقيقى إلا التشفى والانتقام والوحشية التى تفور تحت الجلد باستمرار. وكتب علماء اجتماع كثيرون عن العنف المصاحب لنمط الحياة الغربية، وهو ما يشى بأن ثمة وحشية فردية فى بنية هذه الحضارة لا تقل عن وحشية ساستهم وقادتهم، وقد حاول دكتور نويرت وينر عالم الرياضيات الامريكى صناعة مجتمع عالمى جديد يتمرد على ما سماه البربرية الحديثة، التى تختزن أسلحة الدمار الشامل، وتخطط لضرب التجمعات المدنية إذا ما اندلعت الحرب، وكان تفكير وينر أن تدفق المعلومات بين سكان المعمورة فى وقت واحد، سيحد من قدرة الوحش على الفكاك من ثياب التحضر، حتى لا ينفضح أمره على شاشات التليفزيون وشبكات المعلومات، لكن هذا الحلم البسيط تبدد، وانقلب عصر التليفزيون والكومبيوتر والانترنت وتبادل المعلومات الفائقة السرعة إلى عبد آخر للوحش، وهاهو يقتل المدنيين العزل أطفالا ونساء وشيوخا بذريعة ضمان الأمن، ويجد من كبار السياسيين المتحضرين قبولا لأفعاله، وتعاد صياغة المعلومات فى المجتمعات المفتوحة لصالح الوحشية. الم يفعلوا ذلك فى أوكرانيا؟!، ضحوا بها والقوها فى أتون حرب شرسة مع روسيا، ويعملون على مدها أطول فترة ممكنة، استنزافا لطاقات روسيا ومواردها، حتى يظل الغرب بزعامة الولايات المتحدة قابضا على مقاليد السيطرة على النظام العالمي. هل يعقل أن مؤتمرا يؤمه العالم أجمع يهمل نشطاء حقوق الإنسان فيه الحرب الروسية فى أوكرانيا ويصنعون لغطا وصخبا واهتماما بسجين واحد صادر ضده حكم قضائى حتى لو كان من محكمة استثنائية؟، ألم يكن حقاً إنسانيا لمنظمى جلسة العدالة المناخية فى قمة شرم الشيخ أن يصرخوا ويلطموا وينفعلوا من أجل إيقاف هذه الحرب، مستغلين وجود غالبية رؤساء العالم؟، ألا يستحق عشرة ملايين لاجئ أوكرانى أن ينالوا بعض الاهتمام كى يعودوا إلى ديارهم؟، هل المطالبة بإيقاف الحرب أقل إنسانية من المطالبة بالإفراج عن علاء عبدالفتاح؟ هل يعرف الرئيس الفرنسى مانويل ماكرون أو رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك الإجابة؟. بالتأكيد يعرفها كل منهما جيدا.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية