تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > كيف نتخلص من بطاقة التموين؟!

كيف نتخلص من بطاقة التموين؟!

لا أتصور مصريا يتذكر متى سمع هذه العبارة أول مرة فى حياته: أن تقديم الدعم إلى مستحقيه له أولوية كبرى، وهى أول عبارة رددها الدكتور شريف فاروق وزير التموين الجديد بعد توليه الوزارة، وأتصور أن ملايين من المصريين رحلوا عن عالمنا دون أن يعرفوا أين ذلك الباب السحرى الذى يصل بالدعم إلى مستحقيه، فلا يلهف لصوص الدعم وسماسرته بعضا من ملياراته، ومنذ سمع المصريون باتفاق التعاون بين وزارتى التموين الاتصالات، على استخدام الرقمنة والاعتماد على الميكنة والحوكمة بما توفره من بيانات تحدد بدقة مستحقى الدعم، وهم يرفعون أيديهم إلى السماء بالدعاء أن تنجح الحكومة الجديدة فى تلك «المهمة الصعبة» التى لم تستطع وزارة فك طلاسمها فى نصف قرن تقريبا.

 

وأتصور أن الطريق الصحيح إلى كلمة السر سؤال بسيط للغاية: إذا كان الدعم أزمة، فما أصلها؟

هذا هو السؤال المفتاح، ليس إلى كهف الدعم ولكن إلى القضية الأهم، وهى إصلاح الاقتصاد المصري، الإصلاح المراد والحلم.

والإصلاح الاقتصادى غير الإصلاح المالي، الإصلاح المالى مجرد بند أو فصل فى كتاب الاقتصاد، ومنذ زمن طويل ونحن مشغولون جدا بالإصلاح المالي، فيأخذ جل تفكيرنا ووقتنا وأعمالنا، أى إصلاح موازنة الدولة ما بين إيراداتها ونفقاتها، مثل رب أى أسرة مصروفات بيته يصرف أكثر من دخله، ويحاول طول الوقت أن يوازن بينهما، ومن هنا تلجأ الحكومة إلى زيادة إيراداتها بتعديلات ضريبية وجمركية ورفع رسوم خدماتها..الخ، مع ترشيد إنفاقها، وفى الغالب لا تكفى هذه الإجراءات فى سد الفجوة بين الإيرادات والمصروفات، فتستلف سواء من الداخل أو من الخارج.

ولم يحدث أن عملت الحكومات لأكثر من خمسين سنة فى إعادة هيكلة الاقتصاد المصري، مثلا تأتى معظم مصادر مصر من العملات الأجنبية من موارد اقتصاد ريع، وليس موارد اقتصاد منتج، حوالى 47 مليار دولار فى عام 2023، مقسمة ما بين تحويلات المصريين فى الخارج (يعملون بمنتهى الجدية فى الغربة وليس فى الوطن)، والسياحة والآثار( بحر وشمس ونهر وإرث تركه الأجداد من أربعة آلاف سنة)، إيرادات قناة السويس (بناها الأجداد فى القرن التاسع عشر)، بينما كانت الصادرات السلعية فى حدود 38 مليار دولار، وهو رقم لا يليق بحجم مصر وتجارب شعبها وخبراته وثقافته.

فى المقابل لو ضربنا مثلا بـ«فيتنام» وعدد سكانها يقترب من مائة مليون نسمة ولا نزيد عليهم إلا ببضعة ملايين، نجدها تصدر ما يقرب من 400 مليار دولار سنويا، هواتف محمولة، منسوجات، حواسب، ومنتجات كهربائية..الخ، وفيتنام الجنوبية لم تتحرر من الوجود الأمريكى الشرس إلا فى يناير 1973، وتوحدت مع فيتنام الشمالية فى إبريل عام 1975، بعد حرب أهلية طاحنة، ثم سارت فى طريق النهوض الاقتصادى الذى أوصلها إلى 400 مليار دولار صادرات سنويا فى أقل من خمسين سنة.

نعود إلى السؤال: ما أصل أزمة الدعم؟

باختصار وبكل أمانة حتى نفهم ونعمل بطريقة مختلفة: هو ضعف بنية الاقتصاد المصري، بدليل أننا أكثر المتضررين من حرب إسرائيل الإجرامية على غزة، فى مصدرين من مصادر العملات الأجنبية، إيرادات قناة السويس بسبب ما يفعله الحوثيون فى مضيق باب المندب، والضرر الواقع علينا أضعاف الضرر الواقع على إسرائيل، بهروب أعداد كبيرة من السفن إلى رأس الرجاء الصالح، ثم السياحة، بابتعاد السياح عن منطقة حرب، صحيح هى محدودة، لكن أطراف كثيرة تعمل على توسيعها إقليميا.

من هنا نشأت الفجوة بين موارد الدولة واحتياجات المواطنين، خاصة أن ضعف بنية الاقتصاد يحد من قدرته على إنتاج فرص عمل حقيقية، فيذهب أكثر من خمسة ملايين مصرى إلى التوكتوك وعربات القهوة والشاى على الطرق والأعمال الهامشية، ومؤكد أنها أبواب رزق حلال ومطلوبة، لكن حجم القيمة المضافة منها إلى الاقتصاد والتنمية المستدامة محدود.

وعموما الدعم، وهنا أقصد البطاقات التموينية من خبز وسلع أساسية، مقداره 134 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة البالغة ستة تريليونات و400 مليار جنيه، يعنى نحن نتحدث عن 2%، بالطبع لم أتحدث عن بقية أشكال الدعم والحماية الاجتماعية، لأن وزارة التموين لا علاقة لها بها، ومهمتها فى الخبز والسلع الأساسية فقط، وهى نسبة لا تسبب أزمة كبيرة مع حجم إنفاق يتجاوز ستة تريليونات جنيه. ولا أنكر أن توفير جنيه واحد مهم جدا فى ظروفنا الحالية وليس عشرات المليارات التى تذهب لغير مستحقيها، لكن علينا ترتيب أوراقنا بطريقة صحيحة، فمثلا لا نفهم كيف لا نستطيع أن نوقف عمليات سرقة الكهرباء أو نحد منها كثيرا، هل هى معضلة إلى هذه الدرجة؟، ألا توجد أجهزة حديثة ذكية يمكنها أن تحدد بدقة المناطق التى تستهلك كهرباء ولا تدفع ثمنها، فنراقبها ونعرف أشخاصها؟ ويقدر البعض هذه السرقات بما يقترب من 60 مليار جنيه سنويا!

وبالمناسبة لا تجوز المقارنة بين أسعار السلع والخدمات داخليا بالجنيه، وخارجيا بالدولار، لتبين الحكومة الفارق بين سعرها هنا وسعرها العالمي، لأن المصريين لا يتقاضون رواتبهم بالدولار العالمي، بل بالجنيه المحلي.

نعم قد نؤيد تخفيض الدعم، وأن نخفف الضغط على «موازنة الدولة»، لكن الطريق الصحيح هو إصلاح بنية الاقتصاد المصري، بأن نخلصه من عناصر الضعف اللابدة فيه منذ قرون، وأن نحوله إلى اقتصاد عصرى متعدد الأوجه قادر على الإنتاج الكبير الكفء، ومنتجاته قادرة على المنافسة وكسب العملاء فى الأسواق الخارجية، وإذا فعلناها فسوف نرفع مستوى دخل الناس، فنتخلص من الدعم وبطاقة التموين وأشياء أخرى!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية