تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > قرار العرب ودور الرأى العام!

قرار العرب ودور الرأى العام!

سؤالان مُحَيِرَان غامضان فى غاية الأهمية عن الاعتداءات الإسرائيلية الإجرامية على غزة ، الأول عن تأثير العرب الجمعي، والثانى عن دور الرأى العام العالمي.

 

طبيعى جدا أن يتعجب سكان المنطقة العرب، وعددهم يقترب من خمسمائة مليون نسمة يعيشون فى 22 دولة، مساحتها تقترب من 13 مليون كيلومتر مربع تعادل 9% من مساحة اليابسة، فيضربون كفا بكف ويتساءلون: لماذا لا يعمل لنا الغرب ـــ وخاصة الولايات المتحدة ــ حسابا أو مقدارا؟، والسؤال موجع وله أنياب حادة فى الأدمغة، إذ لا يفوت يوم دون أن يعلن قادة الغرب فى وجوههم بصراحة إلى حد الوقاحة أن إسرائيل لها حق الدفاع عن نفسها وهى ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد مدنيين عزل فى غزة والضفة، ليرتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 40 ألفا بين شهيد وجريح، نصفهم من الأطفال والنساء، فى 35 يوما من القصف الهمجى على غزة، ومن الاقتحام المسلح للمدن والقرى فى الضفة، تحت ذريعة أنهم يطاردون منظمة حماس ويسعون إلى تصفيتها والقضاء عليها نهائيا!

لم نسمع مسئولا واحدا فى الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا أو كندا أو اليابان ينطق بحرف عن حق الفلسطينيين فى الدفاع عن أنفسهم ضد قوات محتلة، كما لو أنهم – دونا عن أهل الأرض جميعا- لا يحق لهم مقاومة من يسرق أرضهم ويهينهم ويحاصرهم ويقتلهم كل يوم! بالقطع نعرف السبب، فالغرب هو الذى دك مسمار إسرائيل بالعنف فى أرض عربية تختلف عن جيناته ومكوناته، وأدرك أنها لن تستقر فيها وتنمو وتؤدى وظيفتها إلا باستخدام القوة المفرطة..

نعود إلى السؤال الأول المؤلم، ودعك من أن الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين ويهودا هم من العرب ونفس العرق، ولنفرض أن كثرا من دول العرب تتعامل معهم على أنهم غرباء يعيشون فى قلب منطقة مهمة للغاية، تجمعهم مصالح فيها، وأن اللغة والتاريخ المشترك والثقافة مصادفات فرضتها الجغرافيا، لكنهم بالضرورة جزء من أمن المنطقة، فأى خطر قادم غازيا، يعبر غالبا الأرض الفلسطينية شرقا أو غربا ويمتد جنوبا أو شمالا، ألم يفعل ذلك الإغريق والرومان والمغول والصليبيون والعثمانيون والإنجليز والفرنسيون؟، هل التطبيع مع إسرائيل يمكن أن يغير حقائق التاريخ والجغرافيا السياسية؟.التطبيع مجرد هدنة مؤقتة مهما طالت، فهو مفروض قسرا من النظام العالمى بقيادة الولايات المتحدة على المنطقة، قبل أن تكتمل شروط السلام العادل، ودون سلام عادل لا مستقبل لهذا النوع من العلاقات السلمية، لأنها تشبه البناء على رمال متحركة! ويبدو الموقف العربى الجمعى من الحرب على غزة والضفة كأنها «حرب» خارجية، يمكن أن يتحدثوا عنها، يطالبوا بهدنة فيها، ينادوا بإدخال مساعدات إنسانية سريعة إلى أهل غزة الذين على وشك الموت جوعا ونزفا وعطشا، دون أن يضغطوا بشدة كتلةً واحدةً على الدول التى تدعم إسرائيل، فلا تتغاضى عن جرائم الحرب التى تبررها هذه الدول بحق الدفاع عن النفس! قد نعكس السؤال: كيف للدول الغربية أن تتجاهل العالم العربى وتساند إسرائيل إلى أقصى حد متاح، ولا تعمل على فك «معضلة» القضية من جذورها، وهى ليست لغزا وتعرف تفاصيلها بدقة؟

الإجابة ببساطة.. لا يوجد فى علاقات المصالح عروض مجانية أو أعمال خيرية، ولم تجد الولايات المتحدة ولا حلفاؤها سببا يدفعهم إلى إعادة الحسابات، فالعلاقات تمضى فى مسارها وكل شىء تمام، وغضب الشارع العربى مسألة تخص هؤلاء العرب جميعا، وطالما أن الغضب يجرى فى المكان دون حركة عملية إلى الأمام، فلا مانع ولا ضرر، ولا ضرورة لتعديل المواقف.

إذن ما الذى يمكن أن تتمخض عنه القمة العربية الطارئة؟

أحاديث، وبالمناسبة، أحاديث ملتهبة، فيها لوم وغضب وإدانات للحرب وقتل المدنيين، ربما تصل إلى إلقاء المسئولية على الصديق الأمريكي، ثم إصدار بيان يطالب المجتمع الدولى بأن يعمل على إيقاف الحرب وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وإلزام إسرائيل بالقانون الدولي، وسيلة وحيدة لإنهاء الصراع والتفاوض على حل الدولتين الذى لم يأت منذ مؤتمر مدريد 1991.

وبالمناسبة لا تعترض الولايات المتحدة على مثل هذه البيانات، وقد تصفها بالمعقولية، لكن لو نوقش قرار وقف إطلاق النار فى مجلس الأمن فلن تسمح بمروره، ولن تعدل من موقفها طالما لا يصيبها ولا حلفاؤها ضررٌ من دوام الحرب والمذابح، والولايات المتحدة على يقين باستحالة صدور قرار يغضبها ويؤثر فى مسار الحرب أو يغير من واقع الأوضاع الجيوسياسية فى الأرض الفلسطينية المحتلة، فالولايات المتحدة أهم عنصر فى بنية القرار العربى الجمعى منذ بداية الخمسينيات، بالمصالح والملفات الخاصة السرية، إلى حد إن إسرائيل تتقدم بخطوات ثابتة نحو أهدافها فى المنطقة دون أن تقدم تنازلا واحدا عن أفكارها الاستعمارية فى نهب الفلسطينيين.

نأتى إلى السؤال الثانى عن الرأى العام العالمي، ولا يمكن إنكار أو تجاهل زخم التعليقات والفيديوهات على شبكة التواصل الاجتماعى ضد الجرائم الإسرائيلية، لكن الرأى العام شىء ومراكز صناعة القرار فى الغرب شىء آخر، ولم يصل صوت الرأى العام الغاضب إلى الكتلة الحرجة التى تجبر صانع القرار على إعادة التفكير فى موقفه وسياساته، خاصة أن البرلمانات فى أمريكا وحلفائها تقف خلف إسرائيل قلبا وقالبا، وبمساندة مراكز المال ومقاولى الحرب ومؤسسات الإعلام، وكنائس المسيحية الصهيونية. لكن إذا استمرت عمليات الذبح بهذه الكيفية الإجرامية لأسابيع قادمة، قد تتجاوز قوة الرأى العام الكتلة الحرجة المؤثرة فى صناعة القرار، وهو أخطر من الموقف العربى الجمعي!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية