تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > سؤال الدكتور عبد المنعم سعيد الصعب!

سؤال الدكتور عبد المنعم سعيد الصعب!

من مزايا كتابات الدكتور عبد المنعم سعيد هى إشغال العقل وتحريضه على التفكير بطريقة مختلفة عما اعتدنا عليه، سواء اختلفنا مع طرحه أو اتفقنا، وقد سأل فى عموده «من القاهرة» يوم الأحد الماضى سؤالا لا أظن أن مصريا لا يفكر فيه ولا يحتار فى الإجابة عنه: هل يمكن لمصر تحقيق التقدم؟، وهو سؤال يُعد وجوديا، لأنه دون إحداث حركة نهضة شاملة ترتقى إلى حد الطفرة فى كل جنبات حياتنا ستزداد أيامنا صعوبة، ونحن نقترب من 150 مليون نسمة على منتصف القرن الحادى والعشرين.

 

وقد فتح الدكتور عبد المنعم أبواب الأمل فى وجوهنا، وضرب لنا أمثلة بمائة دولة وأننا لا نقل عنها، وهو محق تماما، فالقدرات والإمكانات الكامنة فى مصر تؤهلها فعلا لهذا الحلم، لكنه لم يحدد بدقة الأسباب التى أعاقتها لأكثر من مئتى سنة أن تفعلها.

واتفق مع الدكتور عبد المنعم سعيد فى استبعاد نظرية المؤامرة من تحمل أسباب الإعاقة ، ليس لعدم وجود مؤامرة، ولكن لأن المؤامرة جزء لصيق بتاريخ البشر والأمم، ولم تستطع أن تصد الدول ذات الإرادة القوية والرؤية الواضحة والعمل الدؤوب المتواصل عن أهداف التقدم، وقطعا أسباب الفشل داخلية وليست خارجية، بدليل أن عددا كبيرا من المئة دولة التى عددها الدكتور عبد المنعم انتقلت من التخلف والفقر إلى الغنى والتقدم بالرغم مما حاق بها من حروب واستعمار وظروف مضادة.

وأيضا استبعد فقر الموارد، وهو ما أثبته اليابانيون والفيتناميون وأغلب نمور آسيا، بينما روسيا التى تتمتع بموارد هائلة: مياه وأرض زراعية ونفط وغاز ومعادن لا يزيد إنتاجها المحلى الإجمالى على 35% من الناتج المحلى لليابان الأقل منها فى كل هذه الموارد. ولكن اختلف مع الدكتور وهو يفسر دور تنمية البشر وتنمية الحجر فى التقدم، فهذه تفاصيل، وأتصور أن مفتاح التقدم مفاهيم قبل أن يكون تفاصيل على أرض الواقع، مفاهيم وثقافة وقيم، والتاريخ يقول لنا بكل وضوح إن طفرات التطور ودوامها مرهونة دائما بإحداث تغييرات اجتماعية وثقافية وفكرية فى بنية المجتمع، وهى تغييرات يصعب أن تتمكن الدولة، أى دولة دونها من تأسيس قوة اقتصادية كبيرة..

ولو راجعنا تجربة محمد على باشا، باعتبارها التجربة الأم فى تاريخ مصر الحديث، قد نجد فيها بعض الدروس والمصابيح..ويمكن أن نلخص سماتها فى بضع نقاط..

1- أن الأمة المصرية تملك إمكانات كامنة وكثيرة، وتحتاج فقط إلى طاقة قادرة على تعبئتها وإدارتها بكفاءة، وأن تسهل فرص الطموح أمام المصريين .

2- أن الدولة هى التى تهيئ مناخ النهضة والنجاح وتوفر الحماية لهما.

3- أن مصر تمتلك مقومات النمو المعتمد على الذات..

4- كشفت أيضا عوامل الضعف الداخلى المترسخة فى الثقافة والتراث السياسى والاجتماعي.

5- لم يكن فى ذهن محمد على نموذج واضح للإصلاح وهو يبدأ حكمه، وقد سار على نظام أقرب إلى رأسمالية الدولة، وكان خياره الإجباري، فامتلكت الدولة وسائل الإنتاج، فالوالى هو مالك الأرض الزراعية والزراعة هى عمود الاقتصاد المصري، واهتم محمد على بتصدير المحاصيل إلى أوروبا، وكان يغير فى نظام حيازة الأرض وفق احتياجات التصدير، ثم استثمر الفائض فى الصناعة، لكن مع توسعاته العسكرية السريعة أثار مخاوف الدولة الأوروبية، فقاومت مشروعه.

6- لم يوزع الباشا عوائد النمو ولا ثروات البلاد على شعبه بطريقة توفر لعموم المصريين حياةً أفضل، تدفع إلى مزيد من النمو والتطور، وكان ذلك ممكنا، مثلا وصل دخل مصر فى سنة 1836 إلى 130 مليون فرنك فرنسى من التجارة الخارجية، وعدد سكانها 3 ملايين نسمة، وهو نفس دخل فرنسا وكان عدد سكانها 32 مليون نسمة، وقد نصح البعض محمد على بتعديل توزيع العوائد، لكن الصفوة الجديدة لم تقبل فكرة المساس بامتيازاتهم أو الإقلال من مكاسبهم.

7- أحدث التطور الرأسمالى والتكنولوجى فى ذلك الزمان تغييرات جوهرية فى الأبنية والمؤسسات والنظم الاجتماعية فى أوروبا لم يستوعبها الباشا فى تجربة مصر، فظلت الأشكال الاجتماعية المتوارثة بما فيها نظم العمل وتنظيمه على النمط القديم، ويوما بعد يوم أصبحت هذه الأشكال بمكوناتها وطبيعتها ضد التقدم التكنولوجى والتراكم الرأسمالى الذين يحتاجهما دوام التحديث والنمو الاقتصادي.

8- لم يستطع محمد على أن يوسع الطبقة الوسطى ويصل بها إلى الحجم الذى تقود فيه التطور وتخوض مخاطر المبادرة والتجديد، مما جعل مشروعه بكامله بعيدا عن الطبقة الوسطي.

9- غياب سياسات ضبط الاستيراد انتهى إلى تباطؤ حركة التصنيع.

10- بعد تراجع إيرادات الدولة زادت الضرائب بشكل كبير، حتى إنها تضاعفت أربع مرات فى عشرين سنة.

وبالطبع تجربة جمال عبد الناصر كانت أمامها فرصة هائلة للنجاح، لكنها أجهضت مبكرا، ليس بسبب هزيمة 1967، فالدول تُهزم وتنتصر وتتقدم أيضا، ولكن بسبب التخلى عن مفاهيمها الكلية بعد رحيله، بذريعة أخطاء فى التفاصيل الواقعية، دون إصلاحها. بالطبع بناء الحجر مهم والمقصود به العمران بكل تفريعاته، وبناء البشر أهم، والأكثر أهمية فى الإنسان هو عقله الذى يبنيه تعليم جيد، فالعقل هو صانع الثروة والحضارة، تخطيطا وتنفيذا، وأتصور أن صناعة المستقبل الأفضل أو التقدم يستند أيضا إلى ثلاثة عناصر متشابكة، التاريخ كفنارة، والمعرفة كآلة زمن، والنظام كماكينة تشغيل.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية