تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > دور مصر ومسئولية العرب!

دور مصر ومسئولية العرب!

لم يكن رفض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خطة مصر لإعمار غزة دون طرد أهلها مفاجئا أو صادما، كان الرفض متوقعا ويتسق وصفاته الشخصية وأساليبه فى اتخاذ القرارات وتفسيراته لها، وأيضا مع فهمه الخاص لطبيعة القوة المادية ودورها فى السياسة، حسب خبراته وتجاربه فى عالم المال والصفقات.

والأهم أن أمريكا صديق العرب الحميم، أيا كان اسم رئيس الولايات المتحدة أو حزبه، لا تنحرف عما تراه جماعات الضغط الصهيونية للشرق الأوسط الجديد، وهى جماعات نافذة فى دوائر صناعة القرار بواشنطن.

لكن أدهشتنى تويتة للمذيع اللامع عمرو أديب على منصة إكس، تعليقا على رفض الرئيس الأمريكى خطة مصر، إذ قال عبارات مثيرة يستحيل مرورها دون مراجعة: إن خطة إعمار غزة مسئولية ثقيلة وليست محاولة للسيطرة أو إدعاء القيادة، وأى نجاح أو فشل تتحمله مصر!

نعم خطة الإعمار المصرية مسئولية ثقيلة، لكن العبارة التالية لها لا محل لها من الإعراب، فهى تبدو دفاعا ضد «مزاعم» سيطرة وزعامة يدحضها الواقع، أو بمعنى أدق هى أوهام سابحة فى فضاء بعيد، فلم يحدث من مصر أنها حاولت السيطرة أو ادعت زعامة، لا فى الماضي، ولا الآن وهى تصد عن الفلسطينيين محاولات تصفية قضيتهم، وتضع خطة إعمار بديلة لما يدبره الرئيس الأمريكي، ونفى أديب لهذه الأوهام قد يمنحها بعض الإيحاء، لأن نفى ما لا وجود له يورط الأذهان فى الشك، على طريقة «لا دخان من غير نار»، قطعا لم يكن النفى ضروريا فى توقيت معقد تحاك فيه سياسات لتغيير شكل المنطقة العربية ومستقبلها إلى الأبد، ومصر لم تسع طول تاريخها إلى سيطرة أو زعامة، هى فقط تؤدى دورها الذى فرضته الجغرافيا السياسية والميراث الحضارى ببساطة وتلقائية، ودورها جزء من أمنها القومى وهويتها العربية والدينية «الإسلامية والمسيحية».

أما قوله إن نجاح الخطة أو فشلها تتحمله مصر، فهو قول طائش، لا يمكن أن يكون دفاعا عن مصر، ربما عن آخرين، فالخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، لم تعد مصرية خالصة بعد أن وافقت عليها القمة العربية بالقاهرة، إذ انتقلت مسئوليتها من القاهرة منفردة إلى كل العواصم العربية مجتمعة، وبات نجاحها أو فشلها فى رقاب كل العرب دون استثناء وليس مصر فقط، إذ تبنت البلاد العربية جميعا الخطة، وأقرتها وفودها فى عبارات واضحة لا تقبل اللبس أو التأويل، وبالتالى ارتفعت المسئولية الفردية إلى مسئولية جماعية، أمام الرأى العام العربى والعالمي، فكيف تتحملها مصر بمفردها؟

وقال أديب: المواجهة مع الأمريكى أو الإسرائيلى أو فى أحيان أخرى مع الفلسطينى ستكون مع أرض الكنانة!،( يقصد بالفلسطينى الفصائل المسلحة).

يا اللــــــه.. ولماذا تقف مصر وحدها فى مواجهة الأمريكى أو الإسرائيلى أو الفلسطيني؟، ومن الذى أختار لها هذه المواجهة؟، لا أظنه اختيار عمرو أديب، ربما هى عبارة عابرة وليدة لحظة انفعال، هل يعقل من العرب أن يتركوا مصر فى هذه المواجهة المعقدة ويجلسوا أمام شاشات التليفزيون يتابعونها كأنهم يتابعون نزالا ترفيهيا فى حلبة مصارعة؟

هل نفهم من هذه العبارة العابرة أن الأستاذ عمرو يتوقع فرار البعض من مسئولية خطة الإعمار العربية إذا تعقدت الأمور؟

موقف مصر واضح، فهى لن تقبل تصفية القضية الفلسطينية على حسابها، وهى قادرة على حماية أمنها القومي.

والسؤال الملح الآن: ماذا سيفعل العرب (جميعا) إذا أصر ترامب على مشروع «الريفييرا» فى غزة؟

والسؤال الأخطر: ما الذى تحمله الأيام القادمة، إذا استكمل الفلسطينيون فى غزة أسطورة التحمل، وتمسكوا بأرضهم، مع كل ما حدث فيها من استحالة المعيشة، ومهما يقع عليهم من جرائم حرب مستقبلا، وعدم هجرتهم من أرضهم أمر مؤكد وليس متوقعا أو محتملا، فقد تعلموا الدرس جيدا مما جرى لأجدادهم الذين هُجِروا قسرا وفرارا من الإرهاب الصهيونى المنظم لاسيما فى 1947 و1948.. وهم لن يقعوا فى الخطأ القديم!

قطعا سيستأنف جيش الإبادة الإسرائيلى جرائم الحرب ضد الفلسطينيين مهما طال أمدها، بمشاركة كثيفة ومباشرة من الولايات المتحدة، مستغلين انشغال العالم بالفوضى التى صنعها ترامب فى أوروبا، تجاريا وعسكريا.

وفى الحقيقة لا أعرف هل تويتة عمرو أديب مجرد اجتهاد شخصى من نجم فضائي، أم هى توجه علم به من مصادر خاصة، يحتار المرء فى التفسير، فلو هى مجرد اجتهاد شخصى نابع من اهتمامه وشغفه بما يحدث فى وطنه وأمته، فهذا أمر مقبول، لكن الخوف أن يكون توجها بناء على معلومات توافرت له.

يبقى أمر مهم جدا، وهو دور مؤسسات المجتمع المدنى فى «مطاردة» خطة ريفييرا ترامب، نعم.. يجب ألا نترك الدول العربية بما لها من ارتباطات ومصالح متشابكة، تقاتل سياسيا منفردة، يجب أن نساعدها، بأن تتواصل مع مؤسسات المجتمع المدنى على امتداد الوطن خاصة القانونية والمهتمة بحقوق الإنسان، وأن تراسل وتسافر وتشتبك فى حوارات مع المنظمات المماثلة فى أنحاء العالم، ويجمعون كل صغيرة وكبيرة بالوثائق والأدلة على مشروع ترامب، ويجهزون ملفا قانونيا، يرفعون به دعاوى فى المحكمة الجنائية باعتباره «تطهيرا عرقيا وجريمة ضد الإنسانية»..

يجب أن نتحرك فورا فى كل اتجاه متاح ونتواصل، مؤسسات مدنية، نشطاء سياسيون، نشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي..إلخ، ونصنع رأيا عاما عالميا ضاغطا للحيلولة ضد «الريفييرا» الغزاوية، وأيضا لنقطع الطريق أمام وهم ترامب فى جائزة نوبل للسلام!.. هيا نبدأ.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية