تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
حكاية خريطة سوريا الخالية من الجولان!
يقول المثل الشائع «جحا أولى بلحم ثوره»، ونحن المصريين شعبا وحكومة نسمعه ونردده ونعمل به، ولهذا نبتعد تماما عن التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة عربية أو غير عربية، ومن تقاليدنا أن نحترم قراراتها السيادية سواء كنا نؤيدها أو نرفضها.. ولكن!
لكن خريطة وزارة الخارجية السورية التي نشرتها قبل أيام، يصعب أن نتجاهلها، أو نغمض عيوننا كأننا لم نرها ولم توجعنا، هذه الخريطة بالضرورة لها تداعيات على المنطقة بأسرها، وقد تصبح فاصلة تاريخية في مستقبل بعض دولها، فهذه أول مرة تنشر وزارة سيادية خريطة لبلادها محذوفة منها أرض محتلة هي هضبة الجولان، كما لو أنها تقول إن الهضبة لم تعد جزءا من أرضها العربية، وانتقلت رسميا إلى دولة الاحتلال الإسرائيلية،
صحيح أن إسرائيل تحتل ثلثي مساحة الهضبة من 58 سنة، ثم استولت على 250 كيلو مترا مربعا إضافيا في ديسمبر الماضي من حكومتها الجديدة بعد فرار بشار الأسد من دمشق، ومؤكد أن 58 سنة مدة طويلة إلى حد ما، خاصة أن حكومات عائلة الأسد لم تحاول قط استردادها لا حربا ولا سلما، وسجنت وطنها خلف أسوار حديدية، لِتُحْكم قبضتها على السلطة، فأدخلت سوريا في متاهات انتهت بحرب أهلية وتفتيت المجتمع،
لكن حقوق الشعوب في أرضها لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن، طالما يصر أصحاب الأرض على المطالبة بها ويستفزون وعيهم بهذه الحقوق دون كلل، كما يفعل الفلسطينيون منذ 77 عاما، بالرغم من كل الدماء التي سالت منهم والجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضدهم، وبالرغم أيضا من الخلافات والصراعات الناشبة بين فصائلهم إلى حد التقاتل أحيانا!
ولا يمكن أن نصدق أن الخريطة التي نشرتها الخارجية السورية في الأسبوع الماضي كانت من قبيل الخطأ أو السهو والإهمال، كما تساءلت بعض التعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي، فحدود الدولة هي شرفها، هويتها، أصلها وفصلها، والأخطاء فيها فعل عمدي، مثل إنسان يتخلى عن جنسيته ويهجر أهله وناسه وأرضه ويقذف بذكرياته في قاع النسيان وينقلب على جذوره وينضم إلى صفوف الأعداء!
وإذا تأملنا الخريطة الخالية من الجولان، وربطناها بالأحداث التي سبقتها في العام الأخير، قد نعثر على باب الدخول إلى سرها أو بالمعني الأصح تفسيرها..
وهنا نتوقف كثيرا عند حدث نادر وهو التقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع مرتين في أقل من ستة أشهر، الأول بالعاصمة السعودية الرياض في مايو، والثاني بالعاصمة الأمريكية واشنطن في نوفمبر، وترامب ضنين في تكرار اللقاءات الرسمية إلا إذا كان العائد من التكرار سخيا يصب في مصلحته المباشرة، ولم يسبق لرئيس أمريكي أن استضاف رئيسا سوريا في البيت الأبيض، فكيف حدث مع رئيس كان قائدا لجبهة النصرة واعتبرته واشنطن «إرهابيا»، ووضعته على قائمة المطلوبين للعدالة، وحددت عشرة ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه؟، ليس هذا فحسب، بل سعت إلى توقيع عقوبات دولية عليه وعلى حلفائه في هيئة تحرير الشام!
بعد اللقاء الأول لم يخف ترامب إعجابه بأحمد الشرع، وصرح وهو على متن طائرته الرئاسية في الطريق من الرياض إلى الدوحة «خلال زيارته لدول الخليج: الشرع قائد حقيقي، قاد الثورة وهو مذهل، شاب جذاب ومقاتل له ماض قوى جدا، ولديه فرصة حقيقية للحفاظ على وحدة سوريا!
وكان طبيعيا أن يعده ترامب بأن يرفع العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على سوريا وعليه شخصيا وعلى حلفائه، وبالفعل اسقط العقوبات الصادرة بقرارات تنفيذية من الرئيس الأمريكي، دون العقوبات الصادرة بقانون من الكونجرس وتحتاج إلى تشريع بإلغائها.
بعد هذا اللقاء بأيام، قال جدعون ساعر وزير خارجية إسرائيل في مؤتمر صحفي: إن تل أبيب مهتمة بتطبيع علاقاتها مع سوريا ولبنان، ولها مصلحة في ضم دول جديدة إلى الاتفاقات الإبراهيمية.. ثم ختم تصريحاته بعبارة قاطعة: إن هضبة الجولان ستبقى جزءا لا يتجزأ من إسرائيل في أي اتفاق سلام محتمل!
ويبدو أن هذا التصريح تحول إلى اتفاق خفي في اللقاء الثاني، 10 نوفمبر الماضي..
أولا: احتفى الرئيس الأمريكي بضيفه احمد الشرع في البيت الأبيض احتفاء ملحوظا، كما لو أنه يبعث برسالة إلى من يهمه الأمر..
ثانيا: أوفت الإدارة الأمريكية بوعدها له ونجحت في رفع العقوبات الدولية عن سوريا وعن الشرع وعن حلفائه
وبعد أن غادر الشرع واشنطن، وتحديدا يوم 18 ديسمبر رفع الكونجرس الأمريكي آخر العقوبات بإلغاء «قانون قيصر»، وهو قانون أصدره الكونجرس الأمريكي في ديسمبر 2019 لحماية المدنيين السوريين، ويفرض عقوبات على الكيانات التي تتعامل مع الحكومة السورية ووكالاتها العسكرية والاستخباراتية، و«قيصر» هو اسم كودي لمنشق سوري هرب ومعه عشرات الآلاف من الصور قدرت بـ55 ألف صورة لجثث مواطنين، يبدو منها أنهم تعرضوا لتعذيب شديد!
في مساء نفس اليوم، وفي احتفال البيت الأبيض بعيد الأنوار اليهودي «حانوكا»، تفاخر دونالد ترامب بذكريات توقيعه على قرار منحه إسرائيل حقوق السيادة على الجولان في 2019، خلال فترة رئاسته الأولي، وقال إنه وقع على القرار بعد أن تعلم ما يكفي حول أهمية الجولان، وأضاف: بعد ذلك اكتشفت أن قيمة الجولان قد تصل إلى تريليونات الدولارات، وعندما فكرت في الأمر قلت لنفسي، ربما كان علىَّ أن أطلب ثمنا مقابل ذلك!
بعد حانوكا بثلاثة أيام نشرت الخارجية السورية خريطة سوريا الخالية من الجولان!
وهي زلزال ستستمر توابعه لسنوات طويلة قادمة، فأطماع إسرائيل التوسعية ممتدة إلى خمس دول عربية غير فلسطين.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية