تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

حكاية الدكتورة هدى!

أعترف بداية أن العنوان ليس صحيحاً، فالقضية أخطر من الدكتورة «هدي إبراهيم هلال»، ومن جامعة عين شمس التي تعمل بها، الدكتورة هدي هي التكئة التي تعبر بنا من قضية شخصية إلى قضية مجتمع، من حالة فردية إلى أزمة عقلية، حين لا نُدرك أن القانون هو الذي يصون المجتمع.
القانون ليس مجرد مواد وإجراءات وقاعات محاكم، القانون هو «اللبنة الأولى» في بناء دولة عصرية، هو حارس المجتمع، معايير السلوك المقبول، وضوابط تنفيذها، حتى يحافظ على النظام العام والاستقرار ويمنع الفوضي، ولو دققنا كثيرا في جنبات حياتنا، في الشارع، في المباني، في النشاط الاقتصادي، في العلاقات..الخ، وفسرنا بعض انحرافاتها تفسيرا صحيحا دون لف ودوران أو كذب على أنفسنا، سنجد أسبابها في الالتفاف على القانون أو السخرية منه أو إسكات صوته وحبسه في الادراج.. وأحيانا اللعب به! نعم نحن نلعب بالقانون أو نتلاعب به منذ زمن طويل، حتى إنه أحيانا يغضب ويرحل عنا ويتركنا دون حمايته أمام تجار يسلخون جيوبنا ومعيشتنا أو أصحاب محال يستولون على مساحات واسعة من شوارعنا وأرصفتنا، أو مقاولين يبنون على هواهم وحسب مكاسبهم، أو أصحاب أرض زراعية يجرفونها بالحجارة والأسمنت، فنمد أيدينا ونستورد طعامنا من الخارج، أو أصحاب مركبات يتصرفون كأنهم أسياد الطرق العامة..الخ.
وحين يغضب القانون ويبتعد عنا من سوء تعاملنا معه، يتجرأ المخالفون على الحقوق وتكثر التعديات حتى على أملاك الدولة، ويجد فيروس الفساد بيئة مثالية للتكاثر، وتتراجع الشفافية، وهنا يفكر الاستثمار ألف مرة قبل أن يضع مليما في أي مشروع جديد، لأن الاستثمار أياً كان مجاله لا يخلو من مشكلات طبيعية ومسائل معلقة، لا يحلها إلا القانون، فإذا كان غاضبا «واخد على خاطره»، فسوف يتردد المستثمر في ضخ أمواله، وإذا تشجع وشمر عن ساعديه، سيكون الاستثمار العقاري هو هدفه الأول، فالتفاهم فيه مع القانون الغاضب ممكن ومتاح، وله أسباب تاريخية ممتدة من عشرات  السنين، وليس هذا موضوعنا.
والمدهش أن نواب الشعب طوال هذه السنوات، كانوا عونا في إغضاب القانون، باختراع قوانين للمصالحة مع المخالفين، مع أن فلسفة القانون عدم إستفادة المخالف للقانون من فعلته المتعمدة..وأيضاً ليس هذا موضوعنا، وإن كنت أتمنى من باحث قانوني شاطر أن يدرس لنا هذه الظاهرة في الحياة المصرية.
نعود إلى قضية الدكتورة هدي، وخطورة قضية الدكتورة هدي، أنها تضعنا أمام المرأة لنرى كيف تتعامل نخبة المجتمع المتعلمة والمثقفة مع حكم قضائي لا يعجبها، (بلاش حكاية المثقفة دي)، لأن الثقافة حالة عقلية وليست حالة تعليمية، وهنا نتحدث عن جامعة عين شمس، إحدى قلاع العقل المصري منذ نشأتها.. الدكتورة هدي حصلت على حكم من محكمة القضاء الإدارى، في جلسة رأسها المستشار على مكرم توفيق محمد نائب رئيس مجلس الدولة، يوم 29 أبريل الماضي، ضد رئيس جامعة عين شمس، وعميد كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية بصفتهما، الحكم يلغي قراراً سلبياً، بالامتناع عن السير في إجراءات ترقيتها إلى وظيفة أستاذ مساعد بقسم العلوم الاقتصادية والقانونية بالكلية.
قضية عادية ما كان يجب أن تصل إلى المحاكم، مدرس يتقدم إلى الترقية إلى أستاذ مساعد، عملية لها شروط ولجان ترقية وقواعد لازمة، أقصد في كل بلاد الدنيا، لكن أحيانا تدس الأغراض الشخصية أنفها مع أو ضد، حسب نوع العلاقات والنفاق والمجاملات والمصالح، فتنحرف هذه العملية إلى مسارات جانبية ملخبطة، وقد كتبت في منتصف التسعينيات سلسلة تحقيقات أستمرت شهوراً عما يحدث في الجامعات المصرية بعنوان حاد «من يفتح باب الشيطان؟»، عن وقائع فساد ومخالفات في شهادات دكتوراة وأبحاث وترقيات ومظالم..الخ.  
وصل الحكم الصادر في الدعوي رقم 228699 لسنة 78 قضاء إداري إلى الجامعة، تحديداً إلى رئيس الجامعة، وعميد الكلية، في محضر إعلان صيغة تنفيذية يوم 10 يوليو الحالي. بالطبع طعنت الجامعة على الحكم برقم 48011، لكن الطعن لا يوقف التنفيذ..
لكن قبل وصول الحكم بعشرة أيام، كتبت إدارة القضايا بالشئون القانونية للجامعة مذكرة للعرض على رئيس الجامعة، تروى تفاصيل القضية وقرار المحكمة، وأوصت: «تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، فيما قضي منطوقه، حيث إن هذا الحكم واجب النفاذ قانوناً إعمالاً لنص المادة 50 من قانون مجلس الدولة».
فكان طبيعياً أن يؤشر رئيس الجامعة على المذكرة: موافق. أي وافق رئيس الجامعة على الالتزام بالقانون وتنفيذ حكم المحكمة قبل أن يصله محضر الصيغة التنفيذية.. لكن الحكم لم ير النور، بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على «موافق»، كان يمكن اعتبار طول المدة جزءاً من الروتين والبيروقراطية العقيمة السائدة في الإدارات المصرية، وهذا ليس صحيحاً، الحكم لم ينفذ لأن هناك من يعترض على ترقية الدكتورة هدى.
يا للغرابة.. أساتذة في الجامعات.. يعترضون على تنفيذ حكم قضائي، أيا كان منطوقه!!، وأين؟ في كلية من دراساتها (العلوم الاقتصادية والقانونية)، هل لا يعرفون أن الحكم القضائي لا يوقفه ولا يعوقه إلا حكم قضائي آخر من محكمة أعلى، ويظل ساريا مهما طالت مدة تعطيله، ولا تقيده مذكرات اعتراض أو رفض.
أليست هذه مصيبة علمية وقانونية؟، هل عرفتم لماذا لا نستطيع القفز إلى الأمام!!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية