تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > حكاية 500 مليون دولار مسروقة!

حكاية 500 مليون دولار مسروقة!

 إذا كانت الناس مقامات وطبقات، فاللصوص درجات وحكايات، خاصة لصوص الفن والآثار، وهذه حكاية لص لم تستطع الشرطة الأمريكية أن تأخذ منه حقا أو باطلا  لما يزيد على 35 سنة، ومات مؤخرا دون أن يبوح بسر أكبر سرقة فنية عرفها التاريخ قدرت وقتها بـ500 مليون دولار، هو «روبرت جنتايل»، لص فن من نوع خاص، من هؤلاء الذين أنتجت عنهم السينما الأمريكية أفلاما مثيرة ومسلسلات صاخبة، ينشغل بها الجمهور على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو يشبه إلى حد كبير الشخصية التى لعبها «كلينت إيستوود» فى فيلم شهير هو « قوة مطلقة»، لص يقتحم قصرا لسياسى عجوز ثرى متزوج من شابة حسناء على علاقة بالرئيس الأمريكي، فيتورط فى مشاهدة جريمة قتل الرئيس لعشيقته فى لحظة غضب، ثم يهرب من أمن الرئيس بذكاء فائق.

 

 وروبرت جنتايل  اكتسب سمعته من مدينة بوسطن بولاية ماساشوستس، وبوسطن فى التاريخ الأمريكى هى مدينة العلم والثقافة والطب والقادة والثورة الأمريكية، وكانت المباحث الفيدرالية قد قبضت عليه قبل ثمانى سنوات بعد أن انتابها اليأس، وظلت تستجوبه شهورا بكل الوسائل والأساليب، دون أن ينطق بحرف واحد مفيد، يأخذهم من الشرق إلى الغرب ويعبر بهم المحيط الأطلنطي، ليجدوا أنفسهم محلك سر، فظلت السرقة مقيدة ضد مجهول!

وكانت المباحث الفيدرالية قد ربطت بينه وبين عملية السطو الكبرى، التى وقعت فى 1990، على متحف إيزابيلا ستيوارت جاردنر فى بوسطن،  وتحديدا فى صباح يوم 18 مارس، خلال احتفال المدينة بعيد «سانت باتريك»، وشملت المسروقات  13 لوحة فنية أصلية منها عملان لرامبرانت (عاصفة البحر، سيدة ورجل مهذب فى ثياب سوداء)، وعمل لأدوارد مانيت (شيز تورتوني)، وعمل لجوهانس فيرميير (حفل موسيقي)، ولم يظهر لها أى أثر من يومها.

 المدهش أن «جانتايل» سقط فى قبضة الشرطة بالمصادفة البحتة، وفى أمر تافه للغاية، يصعب أن يقع فيه لص محترف، اقترب من عامه الثمانين عاش أغلبها هاربا من القانون، إذ كان يبيع مسدس «كولت كوبرا عيار ٣٨» دون ترخيص بمبلغ ألف دولار، وحين فتشوه عثروا فى جيبه على بيان بأسعار اللوحات المسروقة، فسلموه إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وحين فشلوا فى الحصول منه على معلومات ذات قيمة، قدموه للمحاكمة ولم يعتد القاضى بـ«بيان المسروقات» دليلا على إدانته، واكتفى بحبسه ثلاثين شهرا لحيازته المسدس الممنوع وبعض المخدرات، إلا أنه خرج بعد عام واحد لاعتلال صحته بعفو مشروط .

لكن جنتايل ظل المشتبه به الأول، خاصة أن معظم  المشتبهين الذين وضعتهم الشرطة تحت عيونها، قد رحلوا عن الدنيا، ومع ذلك مازال مكتب التحقيقات الفيدرالية رافضا غلق ملف القضية.

ولا يعرف عالم الجريمة حادث سطو مماثلا، أى احتفظ بأسراره دون أى «لمحة» تفسر ما حدث  فى ذاك الصباح البعيد قبل 35 سنة، وماذا كان مصير هذه المسروقات وكيف تصرف فيها اللصوص، أو كيف دخلوا المتحف وخرجوا منه دون «علامة» واحدة تشى بأنهم مروا  بالمكان، غير اختفاء اللوحات الفنية من براويزها التى تُركت فارغة على الحوائط، ومازالت كذلك حتى يومنا هذا، فإدارة المتحف مازالت تأمل فى أن تعود لها يوما!.

قد تتشابه معها جريمة قطار لندن فى يوم صيفى من أغسطس عام 1963، وكان فى رحلته المعتادة من جلاسكو إلى عاصمة الضباب، وأغسطس هو شهر العطلات فى بريطانيا، والقطار ينقل أموالا كبيرة من بعض البنوك، وحراسته عادية، فالرحلة روتينية منذ سنوات طويلة، وأصلا من هو المجنون الذى سيوقف قطارا سرعته فوق المائة كيلو متر فى الساعة ويسرقه؟!

كان المجنون مكونا من عصابة كبيرة، 15 شخصا تحت زعامة مجرم سابق اسمه «رونالد بيج»، وتمكنوا من إيقاف القطار فى مسافة ميتة بين جلاسكو ولندن، قطعوا فيها خطوط الهاتف وكل وسائل الاتصال، وسرقوا 14 كيسا محملة بمليونين ونصف المليون جنيه إسترليني، يعنى ما يقرب من مائة مليون جنيه إسترلينى بأسعار هذه الأيام، وفروا هاربين، لكنهم وقعوا فى خطأ عفوى قاد الشرطة إليهم، وهو أنهم هددوا رجل البريد فى القطار بأن يمكث هادئا لنصف ساعة قبل أن يتحرك وإلا سوف يقتل!

فكان السؤال:  نصف ساعة.. ما هى المسافة التى يمكن أن تقطعها سيارتان فى تلك المدة؟، وحددت الشرطة دائرة بحث، قطرها ثلاثين ميلا، وفعلا وصلوا إلى البيت المَخْبَأ، لكن متأخرين ثلاثة أيام بعد مغادرة اللصوص له، ومع ذلك وجدوا لهم بصمات متناثرة فى كل أرجاء البيت وبعض أكياس النقود مدفونة فى الأرض، ويبدو أن اللصوص كانوا على ثقة من أن الشرطة لن تصادف هذا البيت أبدا، فسقطوا تباعا، إلا زعيم العصابة، رونالد بيج، الذى فر بغنيمته إلى البرازيل واستقر فيها، وبعد سنوات اتصل بالصحف البريطانية وباع لها قصته بملايين الجنيهات، فتعقبه رجل أمن ومعه أمر بالقبض عليه موجه إلى السلطات البرازيلية، لكن رونالد فى ذلك الوقت كان على علاقة عاطفية بحسناء انجبت له ولدا، رأت السلطات البرازيلية أن رعايته أهم من تسليمه إلى الشرطة البريطانية، فلم تسلمه.

وقد صنعت السينما فيلما شهيرا عن السرقة الكبرى حمل نفس الاسم، أما عن لصوص اللوحات فقد صنعت فيلما باسم «علاقة توماس كراون»، لعب بطولته بيرس بروسنان ورينيه روسو، وتفنن اللص فى سرقة لوحة شهيرة لـ«مانيت» من متحف محاصر بالشرطة، دون القبض عليه، مثلما فعل لصوص متحف «إيزابيلا ستيوارت جاردنر» الذين سرقوا أيضا لوحة لـ«مانيت»!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية