تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

جمعية تأديب الأزواج!

يقال من باب التعجب إن الواقع أغرب من الخيال، وأغلب قائليها لا يصدقونها، لأن الخيال يتحرك فى فضاء مفتوح بلا حدود، بلا قيود، بلا قانون، بينما الواقع تحكمه قواعد وتقاليد وإجراءات، قد يتشدد فيها بشر إلى حد الموت أو يتساهلون فيها إلى حد الإفراط. وأظن أن خيال الكاتب يوسف السباعى حين كتب مسرحية «جمعية قتل الزوجات» فى عام 1951 لم يحلق إلى فكرة لاحت بعد 70 سنة فى أدمغة «زوجات»، ثأرا من السباعى لما قاله على لسان نوح أفندى بطل مسرحيته.

فالأستاذ يوسف أوحى إلى نوح أفندى أن يؤسس جمعية لقتل الزوجات، حتى يتخلص من طغيان زوجته أم عبده، واقنع أصحابه بالانضمام إليها سبيلا وحيدا لـ«إنقاذ الرجل من برثن المرأة». كان نوح غاضبا من أم عبده، لأنها استدعت الشيخ عجايب، ليعمل حجابا يعطل نوح أفندى عن البصبصة للستات والسنكحة ويكتفى بها.

باختصار المسرحية كانت هزلية جدا، مليئة بالمفارقات والمبالغات عن «مؤسسة الزواج» وما يحدث فيها، وكتب يوسف السباعى إهداء ساخرا من النقاد الذين انتقدوا مسرحيته الأولى «أم رتيبة» بقسوة بالغة، وقال: إلى النقاد الذين اتهمونى بالإسفاف والتهريج أهدى مزيدا من الإسفاف والتهريج!

لكن بعد 70 سنة تجاوز التهريج الواقعى خيال نوح أفندى، فالآن يمكن للمرأة أن ترفع دعوى نشوز على زوجها، أو دعوى طاعة، والقضيتان متداولتان فعلا فى محاكم هذه الأيام، إذن ليس غريبا أن تظهر «جمعية تأديب الأزواج» على مسرح الحياة، وقد أسستها مجموعة من الزوجات المصريات بالمصادفة، وضعن دستورها وإجراءات أعمالها التى تنظم «حبس الأزواج فى البيوت»، دون أن يحق لهم الخروج إلا بإذن مكتوب بالموافقة من الزوجة، وإذا خالف الزوج شروط الإذن، يعاقب حسب لائحة معلنة واردة فى الإذن نفسه، باختصار هؤلاء الزوجات يعتبرن الزوج «مجندا» فى كتيبة العائلة، يلتزم بالتعليمات، يطيع الأوامر، وإلا تعرض إلى ما لا يحمد عقباه. الحكاية بدأت بزوجات يصاحبن أولادهن إلى مدرسة خاصة، تتبادلن تحيات الصباح أحيانا، تلتقين داخل المدرسة أحيانا، كلمة من هنا وكلمة من هنا تعرفن، ثم امتدت المعرفة إلى فنجان كابتشينو وكوب عصير فى كافيه قريب، اتسعت الدائرة تباعا، توطدت العلاقات انفكت عقدت الألسنة، بحكايات عن أزواجهن، اكتشفن مساحة مشتركة هى غياب الزوج ساعات طويلة عن البيت، الأعذار واحدة، وقد سمعتها كل منهن عشرات المرات فى المسلسلات والأفلام قبل الزواج: مشغول جدا، اجتماعات ولقاءات. هنا لعب الفأر فى عبهن معظم أزواجهن رجال أعمال ناجحون، أو موظفون كبار فى شركات عملاقة، وهم ما بين الخامسة والثلاثين والخامسة والأربعين عاما، يعنى عليهم العين، والبلد فيها أزمة مطلقات وعانسات، إلى حد المطالبة بتعدد الزوجات، المدهش أن عددا غير قليل من الفتيات اللائى لم يتزوجن متعلمات تعليما جيدا ومن عائلات كريمة لكن أعمارهن تكاد تتسرب من بين أيديهن، فى انتظار فارس أحلام لا يأتى أبدا على حصان أبيض، فشباب هذه الأيام لا يحبذ «زوجات ذات شخصية قوية» ويرتاح إلى»الست أمينة»، زوجة سى السيد فى فيلم بين القصرين. باختصار البيئة الاجتماعية تثير المخاوف وتجعل «الواحدة» تحط عينيها فى وسط رأسها، فكثير من الفتيات يفضلن زوجا ناضجا جاهزا، والرجال بطبعهم مثل نوح أفندى عيونهم زائغة، وقلوبهم رهيفة وإحساسهم أوتار مشدودة يسهل لأى أمرآة جميلة العزف عليها، والرجل الشرقى بطبعه يموت فى إثبات نفسه، باعتباره فحل القبيلة ودون جوان العصر.

قالت الزوجات: الخطر يلوح فى الأفق، وأضاع أزواجنا تغرى بالخطف.

لمعت الفكرة فى دماغ إحداهن قالت: علينا أن نبلغهم رسميا بهذه المخاوف.

سألت إحداهن: كيف؟

قاطعتهن أخرى بحدة: لا بلاغ ولا تلغرافات، هو حل وحيد «الحبس فى البيت» بعد مواعيد العمل، ولا خروج إلا بتصريح.

قالت البقية فى نفس واحد: الرفض مؤكد..وقد يُسبب التصريح أزمات ومشكلات.

ردت أكثرهن ذكاء: تبقى رسالة قوية..ليعرفوا أنهم تحت المراقبة ونرصد كل تحركاتهم. وتفتقت الأذهان عن شكل التصريح، وصممته إحداهن، وطبعن منه ألف نسخة بصفة مبدئية. فعلا..نموذج التصريح شيك للغاية، مكون من ثلاثة أجزاء: الجزء العلوى.. تصريح خروج من المنزل يملأه الزوج، ثم نص التصريح: سعادة الزوجة الحبيبة المحترمة، أتقدم إلى سعادتكم بطلب التكرم بالسماح لى بالخروج من المنزل يوم...الموافق...من الساعة...إلى الساعة...، للأسباب الآتية (متاح فقط أربعة أسباب لا خامس لها). كما أتعهد لسعادتكم بصفتكم السلطة العليا فى المنزل بأن أعود فى الوقت المحدد لانتهاء التصريح، مع استعدادى لتحمل جميع العقوبات المنصوص عليها أدناه فى حالة تأخرى، مقدم الطلب (.....).

الجزء الأوسط..خاص بالاستعمال الرسمى، يعبأ بمعرفة الزوجة، ونصه: بعد الاطلاع على الطلب المقدم من زوجنا الحبيب، وبعد مراجعة المبررات ومراجعة ملف المذكور، قررنا نحن الزوجة الأتي: أولا..يسمح للزوج بالخروج من الساعة... إلى الساعة...، والقياس على ساعة الزوجة منعا للتحايل، ثانيا..لا يسمح للزوج بالخروج للأسباب التالية..1- عدم انتهاء مدة عقوبة سارية سابقة، 2- تجاوز مقدم الطلب العدد المسموح له بالخروج هذا الشهر، 3- تعكر مزاج الزوجة، 4- الأناقة الزائدة عن الحد مما يستدعى الشك فى سبب الخروج.

الجزء الأخير..لائحة العقوبات، وهى 6 جزاءات حسب نوع المخالفة، نوم انفرادى دون عشاء، الحرمان من المصروف، العبوس والتكشير فى الصباح والمساء، الحرمان من الحقوق الزوجية، الحرمان من استخدام الهاتف فى المنزل، مصادرة الهاتف ومفاتيح السيارة. وبالفعل طيرت كل زوجة نموذج التصريح رسالة عاجلة إلى هاتف زوجها المحمول؟ ما رأيكم؟، وكيف سيكون الرد؟.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية