تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > جرائم إسرائيل ورسالة مصر

جرائم إسرائيل ورسالة مصر

لا أظن أن الرئيس الأمريكى جو بايدن كان مسئولا أو جادا وهو يغسل أيدى إسرائيل من مجزرة مستشفى المعمدانى فى غزة، ويلقى بالاتهام على «الفريق الآخر»، دون أن يحدد اسما، وقال فى دليله على براءة إسرائيل إن «صورا» كشفت ذلك!

 

بالقطع لا يمكن أن يكون مسئولا مع أنه رئيس أكبر قوة عظمى فى العالم، فالمسئول يجب أن يكون كلامه محددا قاطعا، لا يحتمل التأويل أو سوء الفهم، فى جريمة ضد الإنسانية، وفى ظل ظروف رهيبة يُسفك فيها دماء الآلاف من الأبرياء الفلسطينيين تحت قصف همجى، دون أن يكون بين هؤلاء الضحايا عضو فى حماس، التى يتذرعون بأنهم يسعون خلفها.. كانت المسئولية الإنسانية، قبل مسئولية اللاعب الرئيسى فى النظام العالمى البائس، تحتم عليه أن يكون واضحا ويذكر اسم المتهم صراحة، ثم يقدم الصور الدالة على مزاعمه إلى الرأى العام، دون أن يصدر بيانا يتحجج فيه بأنه مازال يجمع معلومات.

وهذا الاتهام دون دليل دامغ على صحته يهبط بكلامه إلى قاع الدعايات الهزلية، ويشبه كذبة أمريكية سابقة عن أسلحة الدمار الشامل فى العراق، ويبدو أن الولايات المتحدة تدافع عن نفسها، بعد أن ضُبطت متلبسة بدعم جرائم ضد الإنسانية ترتكبها إسرائيل فى غزة باسم الدفاع عن النفس، وحتى إذا وصفنا «هجمات حماس على إسرائيل فى 7 أكتوبر» بأنها إرهابية، لأنها قتلت وأسرت عددا من المدنيين الإسرائيليين، فهل هذا يبرر «إرهاب» دولة إسرائيل المنظم المدجج بأقصى ما يملكه العصر الحديث من أسلحة ضد أهل غزة جميعا؟

هل عمليات جيش التحرير الإيرلندى لعشرات السنين مثلا، فى تفجير أتوبيسات أو كافتيريات أو قتل مدنيين فى قلب لندن استدعت من الجيش الإنجليزى قصف بلفاست أو ليزبورن أو بانجور فى إيرلندا الشمالية؟

هنا نعود إلى مغزى كلمات الرئيس الأمريكى بأن اللوم يقع على «الفريق الآخر» دون أن يسمى طرفا، فهذه عبارة فاضحة غابت عنها كل أنواع القيم الإنسانية، فالتعميم بـ»الفريق الآخر»، يتجه مباشرة إلى عموم «الفلسطينيين»، الذين يقفون ضد فريق الإسرائيليين. نعم الفلسطينيون هم الفريق الآخر، الذى يجب أن يخرج من غزة، وهذا هو «هدف الحرب» كما تشى به العبارة، وليس هدفها القضاء على حماس، حماس مجرد حجة وذريعة!

وهو ما فهمته مصر والتقطه الرئيس عبدالفتاح السيسى ببراعة من أول تحذير إسرائيلى إلى أهل غزة بالنزوح من بيوتهم جنوبا، ثم تأكد الهدف المراد من خلال مكالمات تليفونية مع قادة من الغرب «المتحضر الديمقراطى»، ومباحثات مباشرة، فالكل يتحدث عن حماس والوحشية والأسرى الإسرائيليين والإدانة، ويستهل كلامه بانعدام أى مبررات لما فعلته حماس، كما لو أن «حماس» جماعة تعانى فراغا ومللا، وقررت أن تهاجم مستوطنات وثكنات عسكرية إسرائيلية وتقتل وتأسر بعض أهلها، من باب التسلية وقتل الوقت.

بالمناسبة لست من مؤيدى حماس، وكتبت ضدها كثيرا، لكن هذا لا يُحرم حماس من حقها فى الدفاع عن شعبها ضد الاحتلال، كما تنص كل المواثيق والقوانين الدولية، وياليتها ما لجأت إلى أساليب جيش الدفاع الإسرائيلى فى هجومها.

المهم أن هؤلاء الغربيين تعاملوا مع الأزمة كأنها سقطت فجأة من الفضاء، لا يوجد احتلال شرس، ولا مليونان ونصف مليون فلسطينى محبوس فى أكبر سجن مفتوح فى العالم، ولا ما يقرب من 20 ألف قتيل منذ بداية الألفية الثالثة، ولا مستوطنون يعتدون على المسجد الاقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، ولا بناء مستوطنات على أرض فلسطينية، ولا عملية سلام نسفتها إسرائيل، ولا ضفة غربية تحت الحكم العسكرى، ولا 7 ملايين فلسطينى فى الشتات..ولا ولا.

يبدو أن الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة تتصور أن الفلسطينيين لا يملكون أسبابا مقنعة لأى عمل عدائى ضد إسرائيل ومستوطنيها، واكرر نحن ضد قتل المدنيين، كل المدنيين، مع أن هناك فارقا بين مدنى يعيش باختياره على أرض اغتصبها جيشه ويحثه على اغتصاب المزيد وبناء مستوطنات عليها، ومدنى معتدى عليه محروم من أبسط حقوقه الإنسانية لأكثر من 75 سنة.

باختصار كانوا يتكلمون عن حماس «وما ارتكبته، ولا يتحدثون عن شىء آخر، والحل المريح هو «إزاحة» أهل غزة» قسرا إلى مصر، ونغلق ملف القضية!

ومارسوا ضغوطا هائلة، منها منع مرور المساعدات الإنسانية إلى أهل غزة الذين على وشك الموت نزفا وجوعا وعطشا، وأطلقوا الإعلام الغربى «المحايد جدا» بالحديث عن الحصار الذى تفرضه إسرائيل ومصر على أهل القطاع، مع أن معبر رفع كان مفتوحا من الجانب المصرى إلى غزة. وظل خبر المعبر متداولا لأكثر من خمسة أيام قاسية، وكل الغربيين وعلى رأسهم جو بايدن يؤكدون بإنسانية مفرطة أن إسرائيل سوف تسمح بعبور المساعدات للشعب الذى على وشك الموت دون أن يحدث. فأوجد لهم الرئيس السيسى الحل السحرى بذكاء فائق، إذا كان هدفكم حماس كما تعلنون، فالنزوح يكون مؤقتا إلى صحراء النقب لحين انتهاء المهمة المستحيلة، وصحراء النقب واسعة وتسكنها قبائل بدوية لا يزيدون على 350 الفا، لكن سيناء مروية بدماء المصريين دفاعا عنها، والأهم أنهم لن يسمحوا بتصفية قضية فلسطين، والحل النهائى أن يمضوا إلى مفاوضات جادة تنتهى بسلام عادل.

فهل يفهمون؟

تبقى مسألة أخيرة..مصر واعية جدا لما يدور حولها، وتدرك تفاصيل كل شىء، ولم تكن قرارات مجلس الأمن القومى المصرى إلا رسالة إلى من يهمه الأمر بأن مصر دولة سلام قادرة على الدفاع عن أمنها ولن تقبل اللعب فى مناطق خطرة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية