تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > ثورة يوليو والذكاء الاصطناعى

ثورة يوليو والذكاء الاصطناعى

للدكتور مصطفى حجازى نصيحة رائعة  ينهى بها مقالاته دائما: فَكِّرُوا تَصِّحُوا، وهو كاتب متميز ذو نكهة خاصة، يعلو بقيمة العقل والتفكير العلمى على التلقين والدعايات، وقرأت مقاله الأخير «ثورة يوليو فى عيون الأربعة الكبار»، وتوقفت عند خاتمته: «إن مصر دفعت ثمنا غاليا نتيجة القطع القسرى لمسارها الطبيعى الذى نضج قبل 1952»!.

 

وقد توصل إلى هذه الخلاصة بعد أن سأل أربعة محركات فى عالم الذكاء الاصطناعي: ماذا لو لم تقم حركة الضباط فى 23 يوليو..علام كان لحال مصر أن يكون فى 2025؟، وأجمعت العقول الأربعة أن ثورة يوليو حالت دون مصر ودون التنوع سياسةً واقتصادا ومجتمعا! 

وبالرغم من صياغة السؤال غير المريحة لغويا، وكنت أفضل أن يصيغه: ماذا لو لم تقم حركة الضباط الأحرار، علام يكون حال مصر فى 2025؟ وبالرغم من «لو» التى تفتح باب الشيطان، وبالرغم من أن إجابة العقول الأربعة غير جديدة وكررها خصوم يوليو آلاف المرات، إلا أن نصيحة الدكتور حجازى لها من قوة الحجة ما يجبرنا على الانصياع لها.

وأسرعت إلى جهاز اللابتوب، وفتحت برنامج الذكاء الاصطناعى «كوبايلوت»، وقبل أن أعيد عليه سؤال الدكتور حجازي، كتبت: ثورة يوليو 1952 فى مصر.

جاءتنى إجابة تقليدية يعرفها القاصى والداني، أنها نقطة تحول فى تاريخ مصر الحديث، إذ أنهت الحكم الملكى وأسست جمهورية وأطلقت شرارة التحرر الوطنى فى العالم العربى وإفريقيا، ثم أورد «كوبايلوت» أسبابها وانجازاتها كما درسناها صغارا من أول الاحتلال البريطانى إلى مجانية التعليم.
فسألته: وإذا لم تقم ثورة يوليو؟!

أجاب: كأننا نفتح بوابةً لعالم مواز تتغير فيه قواعد اللعبة، كان يمكن أن تستمر الملكية الدستورية، وتحت ضغوط شعبية ودولية لإجراء إصلاحات، ربما تتقلص سلطات الملك تدريجيا لصالح برلمان أكثر تمثيلا، وربما تظل هيمنة النخبة الملكية والعائلات الكبيرة، وكان يمكن أن ينمو اقتصاد السوق والاستثمارات الأجنبية بدلا من التأميم، وقد تتطور البنية الصناعية ببطء، لكن قد تتسع الفجوة الاجتماعية، وربما بقيت الخدمات والتعليم لطبقات معينة مما يحد من الحراك الاجتماعي، وقطعا لن تكون مصر محورا لحركات التحرر فى العالم العربى وإفريقيا، وستكون أكثر تحالفا مع الغرب، وتتفادى صدامات مثل حرب 1956، والتدخل فى اليمن.  لكن هذا قد يضعف قدرة الدولة على فرض السيادة الداخلية أو مواجهة التحديات الإقليمية. هذا السيناريو ليس محض خيال، بل تمرين تاريخى يكشف كيف يمكن أن تعيد لحظة واحدة  تشكيل مجرى أمة، هل تود أن نتخيل حال المجتمع المدنى والحريات الفكرية فى مصر إذا لم تحدث ثورة يوليو؟

قلت: طبعا أود.. رد: ربما شهدت مصر نشوء أحزاب سياسية أكثر تنوعا، ومنظمات مجتمع مدنى مستقلة وأقوى تأثيرا، وصحافة مستقلة أكثر تطورا تسهم فى تشكيل الرأى العام فى ظل بيئة سياسية تعددية، وكان يمكن للجامعات أن تستمر كمراكز فكر حر، تقود النقاش العام بعيدا عن التوجيه السياسي، تخيل مصر كـ «مقهى ثقافى مفتوح»، يتجادل فيها الليبرالى والماركسى والوطنى دون خوف أو رقابة بدلا من منصة موحدة.
سألته: هل تعرف أحوال المصريين قبل يوليو 52؟.. أجاب: كانت تتأرجح بين مظاهر التقدم المحدود والحرمان الواسع، فى ظل نظام ملكى يهيمن عليه الفساد والاستعمار البريطاني، كان الاقتصاد زراعيا تحت سيطرة الإقطاع، والفلاحون فى فقر مدقع ( أوصاف كوبايلوت)، كان معظم المصريين تحت خط الفقر، الصناعة خاصة ومحدودة دون خطة قومية واضحة، ودخل العامل 3 جنيهات شهريا، كانت البطالة والتضخم مرتفعين، الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة ضعيفة أو شبه معدومة، التجارة الخارجية تحت سيطرة الأجانب خاصة فى تصدير القطن الذى شكل 85% من الصادرات، وكان التفاوت الطبقى صارخا، تخيل مصر قصرا فخما تحيطه قرى طينية شديدة الفقر.

فسألته: إذن كيف تصورت مستقبلا أفضل لمصر إذا لم تقم ثورة يوليو؟
أجاب: لا أتنبأ بالمستقبل، بل أستخدم نماذج تحليلية تستند إلى معطيات تاريخية وأنماط اجتماعية لاستكشاف الاحتمالات البديلة، ورسم مسارات مختلفة: غياب الهيمنة السياسية على الثقافة يفضى إلى تعدد الأصوات الفكرية والدينية، وجود نظام ملكى مستقر قد يشجع على صحافة ناقدة تحد من فساد السلطات، وعلى حركات مدنية نشيطة تعزز الرقابة الشعبية.. كان هناك سياسيون حاولوا الدفع بإصلاحات تدريجية ودعوا إلى التعليم والعقلانية والعدالة الاجتماعية لتفادى الانفجار، كان يمكن لبريطانيا الاستعمارية أن تؤيد إصلاحات محدودة خوفا من انتشار الشيوعية، كان يمكن لإضرابات العمال ومظاهرات الطلبة أن تمثل دافعا للتفكير فى الإصلاح، تخيل النظام مثل قارب مثقوب يدرك أن تجاهل الإصلاح سيغرقه، فيبدأ فى ترقيع الهيكل... سألته: ولماذا لم يفعل؟

أجاب: وجود نخبة سياسية واقتصادية قوية تميل إلى الحفاظ على الوضع القائم وتخشى التغيير، وكثير من الوزراء والسياسيين كانوا من كبار الملاك أو المتعاونين مع الاحتلال مما جعلهم جزءا من المشكلة لا الحل!

باختصار.. لم نصل إلى الخلاصة نفسها التى توصل إليها الدكتور مصطفى حجازى، فكلها احتمالات قد تحدث أو لا تحدث حسب الظروف، ولكى نرجح أحد الاحتمالين نسأل: ولماذا انقطعت تجربة محمد على باشا عن مسارها الطبيعي، وكذلك تجربة إسماعيل باشا؟، ولماذا لم تستطع ثورة 1919 بكل زخمها أن تصنع الطفرة؟، قطعا أسباب الأحوال المعوجة كامنة فى هشاشة بنية المجتمع ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، وثورة يوليو مرحلة فارقة، نجحت فى جوانب وفشلت فى جوانب، لكنها لم تكن أبدا أصل الأسباب!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية