تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
تحالف خطر جدا!
كنا مجموعة من الأصدقاء، جمعتنا شمس الشتاء ظهر يوم جمعة فى حديقة النادي، رجل قانون، ومهندس، ومدرس إنجليزي، وصيدلي، ومدير عام سابق بوزارة الشباب، وكنا نتحدث عن «بالونة» إمام عاشور ومدى التفاهة التى تفرضها شبكات السوشيال ميديا وبعض القنوات الفضائية على الرأى العام، وبينما نضحك وننكت، قال المهندس فجأة: ما رأيكم فى عدم مصافحة أحمد الشرع وزيرة خارجية ألمانيا حين زارت سوريا الجديدة؟
ضحكت قائلا: هو حر، طالما يتصرف وفق قواعد يراها صحيحة دون إيذاء أو تجن أو تطاول.
قال: لا أقصد هذا، وإنما فى التزامه بتعاليم الدين الحنيف!
كان يمر بنا شيخ مسجد النادي، يتجه إليه قبل صلاة العصر بساعة، فهو الذى يؤذن للصلاة ويؤم المصلين، استوقفه المدير العام وسأله: يا مولانا..هل مصافحة الرجل المسلم امرأة أجنبية حرام؟
رد الشيخ: جمهور العلماء يرون فى المصافحة حرمة، وإن أجاز الحنفية والحنابلة مصافحة العجوز التى لا تُشتهى، ولكن جماعة أخرى من العلماء ترى جواز المصافحة.
وتركنا الشيخ ومضى فى طريقه إلى المسجد..
سألنى المهندس: لم نسمع رأيك؟
قلت: حديث «إنى لا أصافح النساء»، حديث أحادى عن أميمة بنت رقيقة، وأورده ابن ماجه والألبانى والنسائي، لكن ثبت يقينا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يصافح النساء، ولا أظن الفاروق كان يتعمد ارتكاب المعصية ويخالف سنة النبي، وعموما الأعمال دوما بالنيات، أى بما وقر فى قلب الإنسان من مقصد أفعاله، والمهم عندى فى المصافحة وعدم المصافحة هو «مغزى» هذا التصرف على مستقبل سوريا، خاصة أن أحمد الشرع حاكم سوريا الجديد، كان اسمه قبل بضعة أسابيع أبومحمد الجولاني، وبدأ حياته العامة عضوا فى تنظيم القاعدة، ثم تنظيم داعش قبل هيئة تحرير الشام، فهل هو يفكر فى دولة دينية أو دولة مدنية تجمع كل أطياف المجتمع السورى فى بوتقة المواطنة؟
قال المدير العام: هل أنت ضد الدولة الإسلامية؟
قلت: بشكل عام لا ضد ولا مع أى دولة، الدولة الوحيدة التى نصطف ضدها هى الدولة الصهيونية، ليس لسبب ديني، وإنما لأنها رأس حربة فى جسد المنطقة العربية، لكن قطعا ضد أى دولة دينية أيا كان اسمها ورسمها، فهى دولة ذات طبيعة معقدة، يتصور أهل السلطة فيها أنهم يحكمون باسم الله أو بالنيابة عنه، وينسبون تصرفاتهم وأحكامهم أيا كانت إلى الله، ويصنفون معارضيهم بأنهم «كفرة أو خارجون عن الدين»، ويحق عليهم القتل!
رد المهندس: أليست أفضل من استبداد عائلة الأسد وما فعلته فى سوريا وأهلها من مهانة وذل وتعذيب وقتل وإفساد؟
قلت: لا تجوز المقارنة بين أنواع الاستبداد، فهى فخ بلا قرار، ولا يعقل أن يستبدل السوريون استبدادا دينيا أشد قسوة باستبداد الأسد البشع!
قال المدير العام: لماذا إذن قبلت الولايات المتحدة ودول أوروبا السلطة الجديدة فى سوريا، وزارهم مسئولون أمريكان وألمان وفرنسيون..الخ؟
قلت: هذا مدعاة للحيطة والحذر والفزع أيضا، ما الذى عدل من موقف الغرب بقيادة واشنطن، ليفتح ذراعيه لنظام جديد، كان يصف كثيرا من رجاله بأنهم إرهابيون ويضعهم على قائمة المطلوبين مقابل ملايين الدولارات؟، ما هى مصالحه؟، وما هو المخطط الذى يسعى إليه، سواء فى سوريا أو فى المنطقة كلها؟
سأل الصيدلي: وما الذى يدفعنا إلى هذا القلق المبالغ فيه؟
قلت: انظر إلى ما حدث فى الدول العربية: السودان، العراق، ليبيا، لبنان، اليمن، وفلسطين، كانت التنظيمات الدينية المتطرفة سببا رئيسيا فى تفتيتها وانقسامها، أى أن تلك الجماعات هى التى نفذت مخططات المحافظين الجدد فى أمريكا، بتقسيم العالم العربى إلى كانتونات وشراذم وصراعات طائفية وقبلية، فعلتها باسم الدين والدفاع عن شعوبها، فإذا بها تأخذ هذه الشعوب إلى الفوضى والتشرد فى بلاد الدنيا!
وصناعة دولة دينية فى قلب المنطقة العربية هو «هدف غربي» يعملون عليه منذ بداية الألفية، أولا.. يبررون بها وجود «دولة إسرائيل» العنصرية، فيسهل عليهم وصف الصراع العربى الإسرائيلى بأنه صراع ديني، وليس صراعا ضد احتلال استيطانى يتقنع بالدين، ويرفع التوراة فى وجه العالم، باعتباره صك ملكية لأرض فلسطين، وليس كتابا دينيا، يخص فقط المؤمنين به، واليهود أنفسهم منقسمون على تفسيره، بدليل أن غالبيتهم يفضلون العيش خارج «أرض الميعاد» كما يصفونها، بل إن كثيرا من اليهود يعتبرون العودة إلى فلسطين هى معصية للرب وخروج على مشيئته، ثانيا..أن تكون الدول الدينية فى قلب المنطقة العربية «بؤرة تصدير» الصراعات والقلاقل إلى محيطها، وتصبح جسرا إلى استكمال حالة التمزق فى بقية دولها، ولو راجعنا مثلا تاريخ الجماعات الدينية فى مصر منذ ظهور جماعة الإخوان فى 1928 وإلى الآن، سنجدها مصادر فوضى وقتل وتخريب وتوترات، تتجمد حين تتماسك الدولة وتقوى السلطة وتعزلهم عن الحياة العامة، وتعود شوكتهم إلى سابق عهدهم حين تتهادن الدولة وتتيح لهم حرية الحركة بين الناس!
وقد نسأل: من الذى دعم الميليشيات الدينية المسلحة فى سوريا ومكنَّها من دخول دمشق ضد استبداد الأسد، وهو استبداد لا ننكره ويستحيل أن نبرره؟!، الولايات المتحدة وإسرائيل بالدرجة الأولي، وتركيا التى تستهدف الجماعات الكردية، التى تحلم باستقلال ذاتى أو تأسيس دولة كونفدرالية فى سوريا، وتركيا تعتبر هذه الأفكار خطرا عليها، لأنها تتسرب بالتبعية إلى أكراد تركيا.
باختصار هذا التحالف المقنع أحيانا، المكشوف أحيانا بين الجماعات الإسلامية المتطرفة والغرب خطر شديد علينا، وعلى المنطقة برمتها!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية