تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > بيان إرهابى ومستقبل غامض!

بيان إرهابى ومستقبل غامض!

لم يسأل قادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا قبل أن يصدروا بيانا يؤكدون فيه دعم إسرائيل وحقها فى الدفاع عن نفسها: هل يمكن أن يتحول بيانهم إلى وثيقة إدانة على أنهم «شركاء» فى جرائم حرب ترتكبها القوات الإسرائيلية فى غزة؟، أليس هذا احتمالا واردا، وقد أصدروه بعد 17 يوما، من عمليات قتل الأطفال والنساء والعجائز وتدمير المستشفيات والمدارس والمباني، وتجويع مليونين ونصف المليون من الفلسطينيين وحرمانهم من الدواء والماء ودفعم قسرا إلى العراء والشتاء على الأبواب؟.

 

هل يمكن لهؤلاء القادة أن يتوقفوا لحظة، ويسألوا أساتذة القانون الدولى فى جامعات بلادهم: هارفارد، أو أكسفورد أو السوربون أو لودفيج مكسميليان أو ميلانو أو تورنتو، عن التوصيف القانونى لبيانهم، وهم يعلمون يقينا أن وحشية إسرائيل قتلت وأصابت أكثر من 20 ألف فلسطينى فى القطاع، بخلاف ضحايا الضفة الغربية؟.

قطعا سنقبل التوصيف القانونى للبيان، فالقانون واضح، لكن السؤال سوف يرفضه هؤلاء القادة، ولا يمكن أن يخطر على بالهم، فأمريكا هى إمبراطورية الشر الجديدة فى العالم ونستطيع أن نقدم عشرات الأدلة الدامغة على ذلك، مما فعلته فى الخمسين سنة الأخيرة وليس آخرها تصريح المتحدث الرسمى للبنتاجون فى مؤتمره الصحفى المعتاد بأن إسرائيل تلتزم بقانون الحرب، أما بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا فكانت على رأس القوى الاستعمارية التى خرجت من أوروبا إلى آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية لاستعباد دول هذه القارات ونهب ثرواتهم لقرون، وأيديها مازالت ملطخة بدماء الملايين من شعوبها، لكن كندا مجرد تابع أمين يمضى فى ركاب القيم الغربية النبيلة فى دمويتها حين تقاتل لتعظيم مصالحها على حساب الأمم الأخرى البعيدة. بإنسانية مشوهة وأفكار غير أخلاقية ينحاز قادة ومؤسسات هذه الدول إلى حق المعتدى فى الدفاع عن نفسه إذا كان منهم أو حليفا لهم، ويجردون المعتدى عليه من أى حق فى الدفاع عن نفسه ولو بالحجارة، ويريدون من الفلسطينيين أن يتعايشوا مع الاحتلال الإسرائيلى ويبجلونه كل صباح، ويقدمون له فروض الولاء والطاعة، وأن ينصاعوا أمام مستوطنيه وهم يطردونهم من بيوتهم أو وهم يقتحمون المسجد الأقصى بحثا عن هيكل معبد لا وجود له تحته.

وإذا خرجت جماعة من الفلسطينيين تقاتل، وتمارس بعضا مما تمارسه عليهم قوات الاحتلال منذ عشرات السنين، فهذا هو الإرهاب الذى يجب وأده وتصفيته، مع عقاب كل الفلسطينيين فى غزة والضفة، عقابا يصل إلى حد التطهير العرقي.

نحن لا نبرر لحماس قتل المدنيين الإسرائيليين أو خطف العجائز وارتهانهم فى غزة على الإطلاق، ونعتبره فعلا قبيحا وجريمة لا تتفق وأخلاقنا، بالرغم من أن إسرائيل ترتكب هذه الجرائم كل يوم منذ 75 عاما، لكن الكفاح المسلح ضد جيش الاحتلال حق الفلسطينيين جميعا كما تعترف به كل المواثيق الدولية والشرائع، وأيضا أن تأسر حماس جنوده دون أن تفرج عنهم إلا بشروط تتفق ومعاهدة جنيف. نعترف أن حماس هى الدافع والذريعة وراء جرائم الحرب التى ترتكبها إسرائيل منذ ثلاثة أسابيع، وهو دافع عرضي، فحماس ليست هى جذر المشكلة، ولا فروعها، هى مجرد عارض من أعراضها الجانبية، وقد شرحها أمين عام الأمم المتحدة البرتغالى انطونيو جوتيريش فى عبارات بسيطة: أن هجمات حماس على إسرائيل لم تأت من فراغ، وأن الفلسطينيين تعرضوا لاحتلال خانق على مدى 56 سنة. وتعلم دول العالم كلها غربا وشرقا شمالا وجنوبا هذه الحقيقة بكل تفاصيلها التى تدين إنسانيتهم بنفس الدرجة التى أدانوا بها حماس.

وبقدر الغضب الذى صبه جلعاد إردان سفير إسرائيل فى الأمم المتحدة على أنطونيو جوتيريش، لأنه تجرأ ونطق بالحق الذى قد يكلفه منصبه عاجلا أو آجلا، غضب أيضا سفراء دول البيان، غضبوا قبل أن يفهموا دوافعه، وطالبه بعضهم بالاستقالة، مع أن الرجل كان يحدد لهم الحل الذى يوقف العنف، ويعيد السلام الى الطريق الذى دمرته إسرائيل والولايات المتحدة عمدا.

ويشى البيان والغضب على أنطونيو جوتيريش أن قادة دول أمريكا وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا يتجاهلون حكمة التاريخ فى الحروب والسياسية، أن العنف لا يحل مشكلة ولا يفك معضلة، وأن القوة الغالبة حالة عابرة مهما طال زمانها، والقوة عموما من أدوات حل الصراعات قصيرة الأجل، وإلا ما أُخرجت أمريكا من فيتنام، ولا بريطانيا من الهند ولا فرنسا من الجزائر ولا إيطاليا من ليبيا ولا ألمانيا من دول شرق إفريقيا. وتظل العقلية الغربية عاجزة - بسبب وظيفة إسرائيل فى المنطقة العربية - عن التفريق بين السلام الآمن والأمن المؤقت، ويحكمها الآن وهم خطير وهو أن تصفية حماس سوف يوفر نظاما جديدا وترتيبات أفضل فى غزة مما كان قبلها، وأن تعود السيطرة إلى إسرائيل، بعد فشل ضغوط تهجير أهل غزة إلى مصر، مما يتيح قدرا من الهدوء، يمكن بعده التفكير فى نقل الإشراف المؤقت إلى قيادة الأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن، وبعد مدة يمكن أن تُعاد غزة إلى السلطة الفلسطينية، دون قيام دولة. وهذه رؤية أمريكية، تشبه رؤيتها للسلام، وكانت سببا رئيسيا فى فشل المفاوضات التى دامت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لما يقرب من ثلاثين سنة دون طائل.

وحتى هذا الوهم لا تعمل عليه إسرائيل الآن، فبدعم البيان المناصر لإرهابها تنفذ خطة الأرض المحروقة، أى جعل غزة أرضا غير قابلة للحياة عليها، فلا يبقى أمام أهلها إلا النزوح إلى سيناء، وهى خطة تكاليفها باهظة لن تتحملها لا هى ولا الدول الحليفة لها.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية