تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أمريكا هى العائق!
قد يعجز المرء العاقل عن إمساك نفسه فى رد فعله على تصريحات السيدة تامى بروس المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية، يمكن أن يسخر مما قالت، أو يتجاهله، باعتباره ثرثرة مجبرة عليها، وقد يأخذها بجدية دون داع، ويسألها: كيف ترتفع الأكاذيب إلى هذا الحد أمام الرأى العام؟، فالسيدة بروس فى موجزها الصحفي، يوم الثلاثاء الماضي، قالت بكل جرأة: إن مواقف الدول الأوروبية مخيبة للآمال، والاعتراف الأحادى بدولة فلسطينية غير منتج، ويعيق جهود الولايات المتحدة المستمرة نحو السلام.
نعم نعرف أنها تتحدث بلسان الإدارة الأمريكية وليس بلسانها الخاص، ونعرف أن أمريكا تعترض على مواقف أوروبا الأخيرة، وتعتبرها أخطاء جسيمة مخيبة للآمال، فأوروبا لم تعد قادرة على الصمت وبلع حجج إسرائيل فى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية باسم الحرب ضد إرهاب حماس: قتلا وتجويعا وتدميرا وتعذيبا فى أهل قطاع غزة المدنيين لمدة تقترب من 600 يوم، فانتقلت من الصمت إلى التهديد بفرض عقوبات تجارية أو حظر تصدير السلاح إلى إسرائيل، وهى الآن تفكر فى الاعتراف بدولة فلسطينية، ومن هنا خرجت تصريحات بروس واصفة الفكرة بأنها تعيق جهود أمريكا فى تحقيق السلام!!.. بالطبع لن تصف السيدة تامى أى نوع من السلام تقصده أو تعمل عليه الولايات المتحدة، أو ما الذى عاق أمريكا عن تحقيقه فى 32 سنة، أى منذ توقيع اتفاقية أوسلو فى سبتمبر 1993، ومع خمسة رؤساء هم بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما، وجو بايدن ودونالد ترامب.
وتعالوا نراجع آخر تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن الأوضاع الكارثية التى يعيشها أهل غزة، لا ننكر أنه أبدى قدرا من التعاطف مع مأساة مليونى فلسطينى يحاصرهم الموت جوعا فى أرض غير قابلة للحياة، لكنه يشبه تعاطف ذئب مع شاه، يعتذر عن افتراس الشاه، ويتألم أنه يفعلها بسبب أن الشاه هى التى جاءت فى طريقه، إذ قال: إن ما حدث فى السابع من أكتوبر 2023 هو الذى أوصل الأوضاع إلى هذه المأساة!!
وهذا تجاهل للحقائق، لأن السابع من أكتوبر هو نفسه رد فعل على احتلال وإهمال وإذلال وتوسع فى المستعمرات على أرض فلسطينية فى الضفة والقدس وتخوم قطاع غزة، وفى النهاية سلب حقوق شعب فلسطين فى أن يكون له وطن مستقل، ويمكن أن نسأل الرئيس ترامب وكل الأمريكيين دون استثناء بما فيهم المنظمات الأمريكية الداعمة لإسرائيل: هل ما فعله الأمريكيون فى ثورة الاستقلال ضد البريطانيين فى القرن الثامن عشر يعد من الأعمال الإرهابية التى كان يحق فيها للبريطانيين أن ينزلوا تقتيلا وتدميرا فى ولاية ماساتشوستس التى بدأت منها الثورة الأمريكية؟
والسؤال الأكثر أهمية: هل كان يمكن أن تنفذ حماس هجمات 7 أكتوبر الرهيبة لو كانت أمريكا جادة فى تحقيق السلام ونفذت تعهداتها بحل الدولتين للقضية الفلسطينية؟
من فضلك يا مستر ترامب..لا تتحجج بـ7 أكتوبر، إذ كان أمام أمريكا 14عاما كاملة قبل أن تسيطر حماس على غزة بمساعدة خفية من بنيامين نيتانياهو ومباركة أمريكية؟
قطعا أمريكا هى التى أحرقت غصن الزيتون، وهرست طريق السلام الطبيعي، ومازالت تبحث عن «سلام خاص»، يضمن أمن إسرائيل، دون أن تدفع إسرائيل ثمنه، دولة فلسطينية فى المقابل؟
فلسفة الولايات المتحدة التى يقف خلفها اللوبى الصهيونى فى واشنطن هى التى حددت حركتها فى مسار السلام، وهذه الفلسفة كما هى معلنة تقوم أساسا على أن إسرائيل أهم حليف استراتيجى لها فى منطقة الشرق الأوسط، لكن فى الحقيقة أمريكا تتعامل مع إسرائيل باعتبارها جزءا منها أو امتدادا لها فى الشرق الأوسط، وتعطى أمن إسرائيل وسلامتها أولوية قصوى على حساب الحقوق الفلسطينية، وهذه الفلسفة شلت قدرة أمريكا على تنفيذ حل الدولتين، لأن إسرائيل، خاصة اليمين السياسى ومتطرفيه الدينيين يرون فى الدولة الفلسطينية تهديدا مباشرا لوجودها، ولهذا ساندت الولايات المتحدة الحيل الإسرائيلية فى المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية برعاية الوسيط الأمريكى المنحاز، للهروب من أى التزام يؤدى إلى سلام شبه عادل، فالسلام العادل مستحيل فى ظل الظروف العربية الحالية، إذ يكاد الفلسطينيون، لولا وجود مصر، أن يكونوا وحدهم فى مواجهة إسرائيل ومعها أمريكا والغرب الأوروبي.
وللعلم مقولة إن الدولة الفلسطينية تمثل تهديدا لوجود إسرائيل حجة بليدة للغاية، فى ظل الانتشار الأمريكى القوى عسكريا واقتصاديا وسياسيا فى منطقة الشرق الأوسط، إذ لها 30 ألف جندى فى 19 قاعدة عسكرية، منها واحدة من أكبر القواعد الجوية،..أى أن هذه القواعد تضمن أمن إسرائيل طول الوقت، وكلنا يعرف ماذا حدث فى حرب أكتوبر 1973، حين نجحت مصر فى تحطيم خط بارليف وعبور قناة السويس، وحررت 15 كيلومترا بطول 173 كيلو مترا من سيناء، وخسرت القوات الإسرائيلية مئات الطائرات وآلاف الدبابات فى الأسبوع الأول من الحرب، على الفور أنقذتها أمريكا.
فكيف لدولة فلسطينية ذات قوات ضئيلة محدودة التسليح أن تهدد دولة يتوافر لجيشها المنظم أحدث الأسلحة فى الترسانة الأمريكية؟
باختصار لم تكن أمريكا جادة على الإطلاق فى تحقيق السلام، وكانت تتصور أن القضية الفلسطينية فى طريقها إلى الموت البطيء كمدا، خاصة بعد أن تراجعت أهميتها فى أجندة عدد ليس قليلا من الدول العربية، وهذا فهم خاطئ لطبيعة المنطقة وتراث أهلها، وعدم إدراك لتاريخها الطويل، فالظروف التى تبدو مواتية لتنفيذ الفلسفة الأمريكية والأهداف الإسرائيلية حدثت مرات عديدة عبر التاريخ، ولم تستطع أن تدوم مهما طال زمنها.
باختصار أمريكا هى العائق الأول عن تحقيق السلام!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية