تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
القيم النبيلة
هل ضاع بعض من قيمنا الاجتماعية الجميلة والأكثر تأثيرا؟!
ما رأيكم لو رأيتم فتاة ليل محترفة تتأنق وتتصرف بغطرسة أمام الجميع؟، ماذا تقولون لو وجدتموها تفتينا فى الشرف والأخلاق، وما يجب أن نعمله أو لا نعمله وحولها شخصيات تنحنى لها، و يفترض أنهم من علية القوم؟
انظروا حولكم، راقبوا ما يجرى من نزاعات وخناقات واشتباكات وخلافات فى شوارع وأسواق وأندية وأوتوبيسات وتكاتك ونقابات وأبواب محاكم، وأجيبوا عن سؤال مثل شعلة من النيران المتقدة: لماذا يتصرف هؤلاء الذين يرتكبون العيب بكل هذا القدر من الوقاحة؟!، لماذا أصلا نسكت وبدل أن نوقفهم عند خطوط حمراء لا يعبرونها نفسح لهم مكانة رفيعة بيننا؟، هل فقدنا الرشد والرشاد؟، أين ذهبت قيمنا الجميلة، أو كيف تخلينا عنها بكل هذه البساطة؟
لاحظوا كل ما يقع تحت أبصاركم، من يسب بألفاظ غاية فى البذاءة والانحطاط، من يعترف فى جلساته الخاصة بأنه يلفق قضايا، من يمارس البلطجة علنا، من ينتهك حرمات الناس، من يتربح من مكانته الاجتماعية، من يمضغ القانون ويبلعه، من يغتال شرف الآخرين، من يصعد على جثث الشرفاء، من يدير عمله كما لو كانت مؤسسته وقفا عليه..من.. ومن.. ومن، وحاولوا أن تجدوا صفة تجمعهم كما لو أنهم نسخ مكررة.. ما السمة التى تعبر عن وحدة الفعل القبيح فيهم؟
إنها الوقاحة المفرطة..وربما ما هو أخطر وأبشع وأكثر مرارة، وهو فقدان أبسط صفات الإنسان وأنبلها وهوالحياء.
يمكن أن أروى عشرات الحكايات عن أشخاص على مدار العشرين سنة الأخيرة مثالا لما حدث من انحدار، بعضهم صدر ضده أحكام قضائية وكانوا يشغلون مناصب وملأت أخبارهم الصحف، وبعضهم ظهر على شاشات التليفزيون بألفاظه وقضاياه، وكانت لهم علاقات مصاهرة مع عائلات عريقة كانت لا تسمح فى الماضى بأن تتردد أسماء أمثالهم مجرد التردد داخل بيوتهم.
ماذا حدث فأصبحوا ذوى مكانة؟
بالطبع هذه الحالات وغيرها لا يخلو منها مجتمع إنسانى فى أى بقعة على ظهر الأرض، فالنفس البشرية صندوق من الألغاز والأسرار المعقدة تتشكل عبر سنوات طويلة من عادات وبيئة وتراكم وتعليم وتعلم وتقليد واحتياجات وأحلام وصراعات وتطلعات وطموحات وتربية وثقافة، كلها تتفاعل تلقائيا دون توقف مع نظام عمل ومنظومة قيم يتبناهما المجتمع ويضبط بهما سلوك أفراده، وبالطبع أى مجتمع له عوادم تشغيل وملوثات، وقد ترتفع نسبة العوادم المشينة أو تقل حسب ماكينة المجتمع المسماة النظام العام وقدرتها على صناعة فلاتر تمتص أكبر قدر من سموم هذه العوادم أولا بأول وتنقيها، فلا يتسرب منها إلى الحياة العامة، إلا القليل الذى لا يفسد نظام الجماعة أو يلوث نهر القيم فيها أو يعطل حركتها للتطور والنمو المتواصل.
وأحيانا لا يستطيع المجتمع أن ينزل العقاب القانونى على من يكسر خطوطه الحمراء أو يمضى فى عكس قيم وأخلاقيات رسخت فى أعماق الناس وأذهانهم والتزموا بها فى سلوكياتهم الخاصة والعامة، ربما لأنه يرتكب تلك الأفعال القبيحة ببراعة، وربما لقدرته على النفاذ من شبكة التنقية القانونية!
هنا تحل قيم المجتمع فى العقاب محل القانون، وتصبح هى سيفه الذى يضرب به ودرعه التى يصد هجوم السفلة الأذكياء، فقيم المجتمع تتسع لما يحويه القانون من ضوابط وعقوبات ولما يحفظه التراث من أعراف وتقاليد وعلاقات، وهى بمثابة جهاز مناعى إضافى يحصن به نفسه من فيروسات هؤلاء السفلة.
فماذا يفعل تجاه أى واحد من هؤلاء السفلة؟
يفرض عقابا جماعيا وفرديا عليه، بقطع الاتصالات معه، لا يسمح له الناس بأن يشارك فى أى نشاط اجتماعى مهما يكن، لا فى الفرح ولا فى الحزن، ويتصدون له كلما حاول التحايل والالتفاف وإدعاء الفضيلة.
باختصار..يقيم المجتمع صحيح البدن والعقل أسوارا غير مرئية يسجن فيها هؤلاء الذين يرتكبون الأفعال المشينة، سواء كانت مدرجة فى مواد القانون أو فى نسق القيم الشائعة، نعم كان يحبسهم فى سجون اجتماعية هو الحارس عليها ومديرها، فيضمن أن التلوث الذى صنعوه لن يتوسع ويصير نموذجا للنجاح السافل، قد يمشى على دربه آخرون ويقلدونه، أى يبترونه اجتماعيا حتى لا يفقد المجتمع أهم قيمه على الإطلاق.
لكن لم يعد ذلك نمطا يلتزم به المجتمع منذ سنوات طويلة، حتى بات أصحاب الوجوه المكشوفة نجوما، لم تعد فضائحهم الإنسانية والمالية عائقا أمام صعودهم إلى قمة الهرم الاجتماعي.
كنا فى الماضى لا نسمح لمن يرتكب فعلا شائنا أن يفر بفعلته من الناحية الاجتماعية، إذا فشل القانون فى اصطياده، أما الآن فبعضنا أو كثير منا يحتفى بهم ويصفق لهم، وأحيانا يتمسك بهم فى الحياة العامة.
يبدو أن الفاسدين وأصحاب الوجوه المكشوفة نجحوا فى صناعة تطبيع بينهم وبين المجتمع، فلم نعد نعرف العيب ولا نبتعد عمن يرتكبه، بل نقترب منه ونخشاه ونخلع له القبعة، فثقافة الوقاحة الفاسدة كسبت ثقافة النزاهة الخجول، وثقافة طول اللسان كسبت ثقافة الأدب الرفيع بالضربة القاضية الفنية!
وأظن أن هذه مصيبة، قد تتسع مع الأيام والصمت وتتحول إلى ما هو أكبر، فهل يمكن أن نقف مع أنفسنا قليلا، ونعزل هؤلاء الذين لا يعرفون العيب، لا سلاما ولا حديثا معهم، لعل نظام القيم العام ينصلح حاله وتعود إليه صلابته الأصيلة التى كنا نعيش عليها وبها.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية