تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

ألف محمد صلاح!

سهرة كروية على شرف مباراة الأهلى والزمالك الأخيرة، كنا مجموعة أصدقاء من محبى الساحرة المستديرة أهلوية على زملكاوية، نضحك ونتسامر ونناكف بعضنا بعضا بود شديد، ونتساءل حول عبارات شائعة على شاشة فضائيات وإعلانات أسوار الملاعب، مثل أخلاقنا الجميلة، لا للتعصب، فهى من الفضائل، لكن نتعجب من الذين تصوروا أن هذه العبارات وحدها قادرة على إنهاء حالة الاحتقان والتربص بين بعض جماهير الكرة، وأن تؤسس قيما وأخلاقا وتصرفات مختلفة فى واقع رياضى افقدها معناها، فالسباب والشتائم والتنمر ومشاعر الكراهية تتطاير على شبكات التواصل الاجتماعى، يتزعمها بعض من يفترض فيهم حماية الأخلاق والقيم ومعهم البعض ممن ينفثون سما فى الأجواء ويتفننون فى إشعال الحرائق الحوارية، يتصورون أن التعصب والكراهية والخروج على القيم لها مفعول السحر فى دغدغة مشاعر جماهير تحب هذا النوع من الغوغائية، قد لا يهمنا ما يتصورون لكن من غير المفهوم أن تترك لهم الساحة على الغارب، فهم ينتهكون كل قانون ولوائح، والمحصلة أن هؤلاء صاروا أكثر تأثيرا وفاعلية فى الشارع الرياضى، من مجرد بضع كلمات طيبة مكتوبة حول ملعب. فجأة انتفض أحدنا معترضا: دعونا من إضاعة الوقت فى موضوع يبدو بلا حل، ونريد إجابة عن سؤال أهم: لماذا لا يكون عندنا مئة محمد صلاح فى ملاعبنا ومثلهم فى الملاعب الأجنبية، ونحن مجتمع وافر الكثافة السكانية؟، معقول أكثر من مئة مليون نسمة لا يفرزون ألف لاعب محترف على مستوى جيد جدا؟. ضحكنا من السؤال المفاجئ، سأل أحدنا وكان لاعبا للكرة وهجرها وانشغل بدراسة الهندسة الإلكترونية وصار أستاذا جامعيا: كم لاعبا مصريا متميزا فى الدورى العام المصرى كله ينطبق عليه وصف محترف؟. نظرنا إلى بعضنا بعضا، قلت: ربما ثلاثة أو أربعة فى فرق المقدمة، ولاعب أو لاعبان فى فرق الوسط والمؤخرة.

 

رد بسرعة: إجابة خاطئة.. الدورى من 18 فريقا، ولدينا بضعة محترفين خارجياـ ولو العدد كما قلت، لكان عندنا ما يقرب من خمسين لاعبا متميزا للمنتخب القومى، لكن واقع الحال ينفى هذا، وعلى فكرة وصف محترف لا يقصد به مهارات وإمكانات بدنية فقط، فالاحتراف فى جوهره عقلية ونمط حياة، عقلية تمكن صاحبها من الأداء الجيد فى 80% على الأقل من المباريات التى يلعبها، بينما معظم لاعبينا من ذوى الأداء المتذبذب، من مباراة لأخرى، ومن شوط لشوط، أحيانا تجدهم فى غاية المهارة ويفعلون ما يشبه السحر فى مباراة، وفى أخرى تالية أشبه ببطة عرجاء كما لو أنهم لم يلعبوا الكرة من قبل.

سكت برهة ثم سأل: هل تذكرون ملاحظات كروش مدرب منتخبنا السابق على مهارات لاعبيه الأساسية؟، وكيف يتسلمون الكرة بطريقة خاطئة أو كيف يدرون حول أنفسهم قبل أن يلعبونها ومدى دقة تمريراتهم؟، وهذا يفسر عدم تؤهلنا لكأس العالم إلا 3 مرات فى 90 سنة، لكن أحيانا تتوافر لنا مهارات استثنائية، فنفوز بالبطولات كما حدث مع فريق الكابتن حسن شحاتة فى بطولة إفريقيا من 2006 إلى 2010.

قالوا: نعود إلى السؤال الأول.. كيف نصنع ألف محمد صلاح؟

قال: سيظل محمد صلاح مجرد مصادفة عظيمة، موهوب منحه الله عقلا خاصا، فاشتغل على نفسه وعمل على تنمية قدراته البدنية والفنية والسلوكية، حتى تناسب أندية المقدمة فى عالم كرة القدم.

سألنا: وماذا عن أكاديميات كرة القدم المنتشرة فى كل ربوع مصر الآن؟ قال: بعضها بيزنس أكثر منها مشروع صحيح، بيزنس على طريق اكسب وأجرى الشائعة فى الأسواق المصرية فى كثير من السلع والخدمات، مستغلين لهفة الأهالى وعيونهم المشدودة إلى الملايين التى يتقاضاها لاعبو الكرة فى أندية المقدمة، وقد تنتج لنا لاعبا أو اثنين من هذه بالمصادفة.

سألنا فى نفس واحد: ولماذا ليس ألف لاعب؟ قال: أهم عنصر فى تنمية القدرات وإحداث طفرة فى أى مجتمع هو الإنسان، أى بناء عقل الإنسان مع بناء المبانى والملاعب والمدرجات، الإنسان المعلم أى المدرب، والإنسان هو أصل صناعة الحضارة البشرية منذ بدء الخليقة وإلى الآن، لا الثروة ولا الموارد الطبيعية، والعقل الكفء يعنى المعرفة والتفكير المنظم السليم، وللأسف نحن لا نهتم بهذا العنصر بدرجة كافية، تعليم جيد جدا وتأهيل عملى وتدريب متواصل، هل تعلمون كم مدربا فى مصر حاصل على رخصة مدير فنى محترف، بضع مدربين أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، وأيضا لا يعملون، تخيلوا أن ناديا كبيرا عين مديرا فنيا لم يحصل على هذه الرخصة التى تعنى معارف وشهادات ودورات تدريبية، ولن يستطيع إدارة مباريات فريقه من الملعب فى المنافسات الإفريقية!.

إذا كان هذا حال أعلى مستوى تنافسى فى الكرة المصرية فما بالكم ببعض الاكاديميات؟، مدربون هم لاعبون معتزلون حديثا دون خبرات، ويادوب أخذوا دورة أو دورتين، وكرة القدم الحديثة لعبة معقدة وإن بدت سهلة، لا تفك الخبرة فقط أسرارها الدقيقة، دون العلم والمعرفة.

باختصار نحتاج إلى منظومة رياضية مؤسسة على العلم والمعارف الحديثة ومنضبطة فى القوانين واللوائح كالساعة، قوانين ولوائح صارمة، يتخرج فيها مدربون محترفون وإداريون محترفون وحكام محترفون، والاحتراف له شروط يعمل بها العالم المتقدم، منظومة يديرها مؤهلون علميا وفنيا يملكون القدرة والرغبة، أى يعرفون ما تريدون وكيف يصنعونه مستعنين بخبرات أجنبية.

باختصار شديد..صناعة ألف محمد صلاح يرتبط بأمرين أوليين هما: المعرفة ونظام العمل.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية