تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
السلام لا يصنعه المتعصبون والإرهابيون
قطعا ستنتهى الحرب التى يشنها جيش الإبادة الإسرائيلى على غزة غدا أو بعد غد، دون أن تصل إلى أهدافها، لأسباب بسيطة وكامنة فى تجارب البشر وتاريخهم، أهمها أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن أرضهم ولن يكفوا عن المقاومة بكل السبل والوسائل، قد يهدأون أو يتوقفون لكن لن يتراجعوا أبدا، والعقدة ليست فى حماس، حماس مجرد حلقة فى سلسلة فلسطينية منذ الستينيات، جزء من سبعة ملايين فلسطينى فى الداخل ومثلهم فى الشتات، العقدة فى الاحتلال والاستيطان والغطرسة والتعصب والإرهاب والدعم الأمريكى المطلق، وهذه عناصر معادية للسلام بطبيعتها، تنمو باطراد ليس بين أعضاء السلطة اليمينية الحاكمة فى إسرائيل، وإنما فى بنية شعبها، الذى يؤمن بأن كتابه المقدس ليس تعاليم من السماء فى علاقة الإنسان بخالقه ومخلوقاته، وإنما هو «صك ملكية» لأرض فلسطين يجب أن ينصاع له كل البشر الذين يخالفونهم فى الدين طوعا أو كرها!
وسواء سلمت حكومة اليمين المتطرف بحل الدولتين أو لم تسلم، سواء بقت قوات الاحتلال فى غزة أو رحلت، سواء أعادت إسرائيل احتلال الضفة الغربية أو ظلت على عنفها، فقد استردت القضية الفلسطينية زخمها، وتدفقت الدماء الحارة فى عروقها بعد موات مؤقت، وأصبحت «أرقا» لكل صاحب ضمير فى العالم. وقبل عشرة أيام نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية استطلاعا حول سؤال فى غاية الأهمية: هل لا يزال حل الدولتين قابلا للتطبيق؟، أجاب عليه 70 كاتبا وخبيرا، 43 منهم انحازوا بدرجات متفاوتة إلى إمكانية تطبيق حل الدولتين الصعب، بينما لم يوافق الـ27 الآخرين على إمكانية تنفيذ الحل، عشرة منهم أكدوا استحالته.
ولو حللنا شروط التفاؤل وأسباب الاستحالة، قد يفتح لنا كوة فى جدار الغموض إلى ما قد يحدث فى المستقبل القريب والبعيد. وقد نندهش، لأن أسباب فشل تنفيذ حل الدولتين على أرض الواقع كانت فى جميع الاراء أكثر منطقية من فرص النجاح.
مثلا اختارت علياء براهيمى الوقوف فى منتصف الطريق، لم تجب عن السؤال بلا ولا نعم، وهى باحثة كبيرة غير متفرغة فى برامج الشرق الأوسط فى المجلس الأطلنطي، والمجلس مؤسسة بحثية أمريكية، مقرها واشنطن، وعضو فى رابطة حلف الأطلنطي، إذ قالت: كان الوضع يتطلب حدثا زلزاليا لكسر الجمود، خاصة وإسرائيل تستخدم المستوطنات عنصرا استراتيجيا لتقويض قيام دولة فلسطينية مستقلة، ومن المحتمل أن تمثل الهجمات الوحشية فى 7 أكتوبر وما تلاها من تدمير إسرائيل لغزة لحظة فاصلة فى إحياء جهود حل الدولتين، فتصميم إسرائيل على تحدى الرأى العالمى والأمريكي، والمضى قدما فى حملتها العشوائية وغير المسبوقة على الأطفال والرضع نزع الغطاء عن الرواية الإسرائيلية فى الدفاع عن النفس، وقد تنتج عنه إرادة سياسية غربية لإيقاظ شبح حل الدولتين، لكن يتعين على المجتمع الإسرائيلى أن يخضع أولا لمحاسبة سياسية وأخلاقية لما فعلته قيادته فى غزة، حتى يستنتجوا أن العيش بأمان يتطلب أن يكون الفلسطينيون أحرارا.. هل شروط علياء براهيمى فى إرادة غربية فاعلة، ومحاسبة أخلاقية لقادة إسرائيل قابلة للتحقق؟
سؤال صعب جدا، لم يجب عليه ألوف بين رئيس تحرير هاآرتس الإسرائيلية، واختار النقيض مباشرة وهو إمكانية حل الدولتين «بالرغم من الصعوبات والتحديات الهائلة وعدم الإيمان الشعبى الواسع بها»، لكن ذلك «يتطلب دعما محليا وإقليميا وأمريكيا لمواجهة خصوم هذا الحل وتحجيمهم»!
أتصور أن كلام ألوف يميل إلى التمنى ويفتقد قدرا من العقلانية، فإذا كان الإيمان الشعبى الإسرائيلى ضد الدولة الفلسطينية واسعا، فمن هى الحكومة الإسرائيلية التى تجرؤ وتمضى فى الاتجاه العكسي؟
أما أسد غانم أستاذ السياسة المقارنة بجامعة حيفا، ويبدو من اسمه أنه من فلسطينيى 1948، فقد اختار السباحة فى فضاء أبعد، وقال: من يريدون أفقا للتسوية عليهم أن ينتقلوا إلى إطار مختلف يوقف الصراع تماما، وهو إنهاء الاستعمار والاستيطان الإسرائيلي، وإلغاء الهيمنة اليهودية، وإنشاء دولة ثنائية القومية تتأسس على المساواة الشخصية والجماعية.
قطعا..هذا فضاء خارج المجرة الواقعية.
لكن أرون ديفيد ميللر كبير الباحثين فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى حدد ثلاثة شروط لتنفيذ فكرة الدولتين:
أولا: قيادات قوية ليسوا أسرى أيديولوجياتهم ويتبنون سياسات مستقلة منحازة إلى حل الدولتين دون ضغوط خارجية، ويؤمنون بأنها لمصلحة شعوبهم.
ثانيا: وسيط ذو إرادة صارمة وقناعة يسعى إلى حل يعكس احتياجات الطرفين ومتطلبات الحل.
ثالثا: مشاركة جادة من الدول العربية الرئيسية الراغبة والقادرة على مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين فى التوصل إلى تسوية دائمة وعادلة.
ولو دققنا فى شرط «تسوية عادلة»، سنجده صعبا للغاية، إذ لا تعمل به الولايات المتحدة ولا إسرائيل، فهما يؤمنان بالتسوية التى تفرضها القوة لا العدالة، وتلجأ إليها إسرائيل دوما، وبما أن ميزان القوة فى مصلحة إسرائيل، فلماذا يتبرعون بتسوية عادلة؟
أما أورين كيسلر فقد بدا أكثر واقعية وفهما للأوضاع، وهذا منطقي، لأنه متابع جيد للقضية، وله فيها كتاب مهم هو (فلسطين 1936: الثورة الكبرى وجذور الصراع فى الشرق الأوسط)، ولخص الموقف جيدا: قال ونستون تشرشل إن الديمقراطية هى أسوأ أشكال الحكم باستثناء جميع أشكال الحكم الأخرى، وهو ما ينطبق على خطة حل الدولتين المحفوفة بالمخاطر والمعضلات الكبرى كالقدس واللاجئين، ناهيك عن أن غالبية الإسرائيليين يثقون فى أن أى دولة فلسطينية معناها إطلاق صواريخ منتظمة على تل أبيب ومطار بن جوريون، وأن غالبية الفلسطينيين يؤمنون بحقوقهم فى يافا وحيفا، لكن بديل حل الدولتين أسوأ بكثير.
ما رأيكم أنتم؟، أرجوكم لا تلجأوا إلى أساطير نهاية العالم فى إجاباتكم!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية