تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
السامية وأعداؤها الوهميون!
لم تعد حرب إسرائيل الوحشية على الفلسطينيين محصورة فى أرض غزة، إذ صاحبتها حرب أخرى شرسة على شبكات التواصل الاجتماعى وأمام شاشات التليفزيون، فى حرب غزة أعاد العالم اكتشاف «جوهر» إسرائيل وحقائق الصراع الذى تعامى عنه سنوات طويلة تحت وطأة إعلام زائف ودعايات كاذبة، وفى حرب الفضاء يفكك عبارات ظلت محصنة ضد التأمل والتعريف الصحيح والتوصيف الدقيق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اخطرها «معاداة السامية»، العبارة التى بنت أسلاكا شائكة مكهربة حول أساطير صهيونية منحت إسرائيل «حماية خبيثة» لكل جرائمها غير الإنسانية ضد الفلسطينيين!
لم تستوعب إسرائيل متغيرات وسائل الاتصال التى ضربت العالم فى العشرين سنة الأخيرة، وأن البيئة التى ترعرعت فيها أكاذيبها وحصنتها لم يعد لها وجود، فالعالم صار مسرحا مكشوفا، الجماهير جزء من العرض سواء على خشبة المسرح أو خلف الكواليس، لم يعد أحد قادرا على إخفاء حدث أو حقيقة أو فعل أو وثيقة، وفقد الإعلام سواء كان رسميا أو خاصا، فضائيات وإذاعات وصحف، انفراده بالرأى العام، ويمكنه أن يتلاعب بالحقائق فى الأخبار والأفكار والأحداث، وهو آمن من عدم فضح ستره، حتى إن فضائية أمريكية من أشد المؤيدين لإسرائيل هى فوكس نيوز اضطرت إلى الاعتذار عن «خطأ مقصود» ارتكبته مذيعتها، حين نسبت إلى السفير الفلسطينى فى بريطانيا حسام زملط عبارة تفيد أن إسرائيل تستحق ما جرى لها فى 7 أكتوبر، بينما السفير قال إن الأحداث التى وقعت كانت نتيجة ممارسات وأفعال حذرنا منها إسرائيل.
وهنا تدخلت «القنوات الخاصة» على اليوتيوب، ومرمغت مهنية المذيعة فى الوحل، فاعتذرت الفضائية..
نعم البيئة تغيرت ومازالت حتى لامست «معاداة السامية» الحصينة، ويبدو أن المبالغة فى استعمالها «عمال على بطال» لكل من يعارض الحرب على غزة أو يفضح الجرائم ضد الإنسانية التى ترتكبها إسرائيل أو يدعو إلى وقف إطلاق النار فورا، قد أيقظت الضمير الإنساني، فلم تعد العبارة شبحا مخيفا بنفس الدرجة التى كانت عليها فى الماضي.
ولو قارنا مثلا بين ما حدث للمؤرخ البريطانى دافيد إيرفنج فى أول الألفية الجديدة، بما يواجهه الآن ايلون ماسك الملياردير الأمريكى الشهير صاحب منصة «اكس»، وكلاهما اتهم بمعادة السامية، سنجد اختلافا كبيرا.
إيرفنج تحول بسهولة إلى فريسة سهلة ينهشها كل صهيونى عابر سبيل، اضطهاد ومطاردة وإيقاف عن العمل وأحكام بالسجن، حتى أجبر على الاعتذار عن أفكاره والتراجع عنها وطلب السماح والمغفرة، مع أن ما قاله فى كتابه «حرب هتلر» لم يكن جديدا، وخلاصته أن عبارة الحل النهائى الواردة فى الوثائق النازية لم تكن تعنى إبادة اليهود فى أوروبا، لا حرقا فى غرف المحرقة ولا خنقا فى غرف الغاز، وإنما إخراجهم قسرا من القارة العجوز، وأن أسطورة غرف القتل حبكت خيوطها بعد الحرب العالمية الثانية بعام على الأقل، ودلل على أفكاره بوثائق وشهادات، وهو نفس ما سبق أن أثبته كتاب ومفكرون ومؤرخون أمثال الفرنسى بول راسينيه فى نهاية الأربعينيات، واليهودى جوزيف جينزبرج فى الستينيات، والأمريكى أ.ر.بوتز فى كتابه الموسوعى «خدعة القرن العشرين» فى السبعينيات، والفيلسوف الفرنسى روجيه جارودي، وعانوا اضطهادا كبيرا.
أما إيلون ماسك فقد ارتكب ما هو أبشع فى رأى الصهاينة، فقد كتب عبارة صادمة: لقد قلت الحقيقة الفعلية، وكانت تعليقا على تويتة نشرها شخص باسم مستعار على منصة إكس تقول: هتلر كان على حق، عبارة عاطفية متأثرة بما رآه صاحبها من جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين فى غزة، لكن العبارة تكررت على المنصة، لتصاحب مشاهد مفزعة وعنصرية لإسرائيليين متطرفين يتوعدون فيها العرب بالقتل والفناء ويسخرون من المسلمين ودينهم ونبيهم، ناهيك عن مشهد جوقة أطفال إسرائيليين يغنون لجيش الدفاع الذى سيبيد سكان أرض الميعاد الغرباء ويعيدها إليهم غدا.
لم يُقدم ماسك إلى المحاكمة، متهما بتأييد الإبادة الجماعية لليهود، وهى تهمة أشد من إنكار الهولوكست، فقط توقفت شركات كبرى عن الإعلان على منصة أكس، وخسر مئات الملايين من الدولارات، وكتبت ميشيل جولدبرج مقالا طويلا عنيفا فى نيويورك تايمز (لماذا يُقدر القادة اليهود إيلون ماسك)، وقالت إن له تاريخ من معادة السامية، فقد قارن من قبل بين الملياردير اليهودى جورج سوروس، والشرير الخارق «ماجنيتو» فى سلسلة أفلام (رجال أكس)، ونسب إليه أنه يعمل على تدمير الحضارة الغربية، كما يضع إعلانات الشركات الكبرى بجوار «تويتات وتعليقات النازيين الجدد والقوميين البيض المناهضين لليهود»، وقبل أيام شن حملة تشهير على رابطة مكافحة التشهير وهى منظمة حقوق يهودية، على أنها السبب فى انخفاض عائدات الإعلانات بنسبة 60%، وينتوى مقاضاتها. وتتعجب الكاتبة من ثناء قادة يهود على ماسك لمجرد أنه وعدهم بفرض رقابة على العبارات المؤيدة للفلسطينيين.
أى أن عقاب ماسك كان ماليا وبضع مقالات حادة، دون ملاحقات قانونية ومطاردات شرسة، كما فعلوا ضد إيرفنج المؤرخ البريطانى المتخصص فى تاريخ الرايخ الثالث وهتلر.
لكن أهم ما قالته جولدبرج إن ثمة موجة عاتية من معادة السامية أطلقتها إسرائيل فى العالم، موجة لا تفرق بين الصهيونية واليهودية، ونسيت الكاتبة أن الإسرائيليين هم من صنعوا هذا الربط الحديدى بقولهم إن دولتهم لليهود وليس للصهاينة، فانحرفت جرائم الدولة إلى أصحاب الدين!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية