تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الخطر الأمريكى ..كيف؟

قد نفهم أسباب «عدوانية» الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وتدخلاتها فى الشئون الداخلية لدول كثيرة فى العالم شرقا وغربا، إذ تأسس نظام عالمى جديد أزاحت فيه الإمبراطوريات القديمة أمثال بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وتسلمت منها «القيادة»، نفهم هذه الأسباب فى مواجهة الاتحاد السوفيتى الذى فرض هيمنته وشيوعيته على شرق أوروبا، والعديد من دول آسيا وأمريكا الجنوبية، لكننا لا نبررها ولا نستسيغها «لا فلسفيا ولا أخلاقيا ولا إنسانيا، ونعرف أن غالبية السياسيين لا يعترفون لا بالفلسفة ولا بالأخلاق ولا بالعدالة، إذا تقاطعت مع مفاهيمهم السياسية ومصالحهم المباشرة!

 

وطبيعى أن يتشكل نظام عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية فى صراع شرس بعضه مكتوم وبعضه دموي، على النفوذ والثروة تحت لافتة «الحرب الباردة»، مورست فيها أساليب همجية، وهى أساليب اعتادت عليها «الإمبراطوريات الكبرى من قديم الزمان، وإن تفوقت بريطانيا على كل إمبراطوريات الشر فى «صناعة» شراك عظمي، غطت كل بقاع الأرض تقريبا وهى تنسحب تدريجيا من مستعمراتها القديمة، فلم تترك حدودا أو بلدا دون أن تدفن فى أرضه نزاعا دينيا أو طائفيا أو عرقيا أو سياسيا..الخ، ينفجر تلقائيا كل فترة، فلا تتوقف الاضطرابات والصراعات! لكننا لا نستطيع أن نفهم أسباب دوام عدوانية الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وتفتته فى عام 1990، وانفرادها بالنظام العالمي، فتوسعت حروبها: حرب الخليج الأولي، ولعبت فيها دور المحرض والمنقذ، والحروب فى يوجوسلافيا وأفغانستان والعراق والصومال وسوريا وليبيا وإيران وغزة، ناهيك عن تدبير اضطرابات عاصفة فى الشرق الأوسط وبعض دول أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية، بما فيها إشعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا!

إذن نحن أمام خطر يهدد استقرار العالم اسمه الولايات المتحدة، وقد رسم مايكل بيكلى حدود هذا الخطر، فى مقال بديع نشره فى «مجلة فورين أفيرز» فى إبريل الماضي، بعنوان مثير: عصر الأحادية الأمريكية..كيف ستعيد قوى عظمى (مارقة) تشكيل النظام العالمي؟، ومايكل أستاذ مشارك فى جامعة تافتس، فى ولاية ماساتشوستس، وزميل أول غير مقيم فى معهد أمريكان إنتربرايز، وباحث عام فى مركز موينيهان بكلية مدينة نيويورك، وقال: كان من المتوقع أن تتبع الولايات المتحدة أحد مسارين للسياسة الخارجية بعد نهاية الحرب الباردة: الحفاظ على مكانتها زعيمًة للنظام الليبرالي، أو الانسحاب والتكيف مع عالم متعدد الأقطاب، لكنها اختارت مسارا ثالثا، أن تصبح قوة عظمى (مارقة)، لا هى دولية ولا انعزالية، بل عدوانية وقوية، تسعى إلى مصالحها دون أى اعتبارات، وتتصرف باستقلالية فى الشئون العالمية!

وأخذ مايكل بيكلى سياسات الرئيس دونالد ترامب، دليلا يحدد به هذا المسار، منها خفض المساعدات الخارجية، وتجاهل الحلفاء، والدعوة إلى الاستيلاء على الأراضى الأجنبية مثل جرينلاند وقناة بنما، ورفع التعريفات الجمركية إلى مستويات تعكس قانون سموت هاولى سيئ السمعة عام 1930. ( قانون سموت-هاولى رفع الرسوم الجمركية على أكثر من 20 ألف سلعة مستوردة، بهدف حماية المزارعين والمصنعين الأمريكيين خلال فترة الكساد العظيم، وبدلاً من أن يخفف الصعوبات الاقتصادية، حرض الدول الأخرى على فرض رسوم انتقامية، فتدهورت التجارة الدولية وتعقدت الأزمة الاقتصادية العالمية). وقال: إذا كانت الولايات المتحدة ستواصل السير منفردة فى طريقها دون رادع، فيمكن أن يتزعزع استقرار العالم، وأحد الأسباب التى تجعل الولايات المتحدة دولة مارقة هو قوتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية الهائلة، التى تمكنها من تنفيذ هذه السياسات، متجاهلة أية تحذيرات.

وحين سألت برنامج الذكاء الاصطناعى «كوبايلوت»: هل أفسدت الولايات المتحدة النظام العالمى فلم يصبح قادرا على معالجة الأزمات؟ رد: هذا موضوع معقد، هناك حجج داعمة لهذا الاعتقاد، منها أن الولايات المتحدة تتصرف بشكل أحادى أحيانا فى الشئون الدولية، مفضلة مصالحها على الحلول الجماعية، والنتيجة توترات تزداد وتعاون يقل، فى الغالب تثير تدخلاتها العسكرية الجدل، ويمكن أن تفاقم الأزمات فى مناطق كثيرة ، والشرق الأوسط مثال صارخ، كما تؤثر على المنظمات الدولية لتعمل من أجل المصالح الأمريكية، بدلا من أن تتبنى نهجا متوازنا فى القضايا المعروضة، لكن على الجانب الآخر تسهم الولايات المتحدة مع دول ومنظمات مختلفة فى مواجهة أزمات عالمية كثيرة، وهذه أزمات بطبيعتها متعددة الأوجه.

سألته: هل يمكن أن تصنف الولايات المتحدة إمبراطورية استعمارية؟ أجاب: نعم، مع أن الحكومة لا تشير رسميا إلى هذا المعني، لكنها اعتمدت سياسات تهدف إلى توسيع نفوذها الاقتصادى والسياسى والثقافى خارج حدودها، تشمل الغزو والدعم لفصائل تابعة لها، والاختراق الاقتصادى بشركات خاصة.

- أليس هذا تهديدا للعالم؟

- يعتمد على تعريفنا لـ «التهديد»، البعض.يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها قوة استقرار، وآخرون يصفونها بقوة تخريب، أو بالاثنين معا..دعونا نقسم هذا عبر عدة أبعاد.. اولا: الولايات المتحدة لها مئات القواعد العسكرية فى العالم، يراها البعض قوة ردع ضد العدوان، ويراها آخرون قوة قسرية تقوض السيادة.

ثانيا: التدخل العسكرى كما حدث فى العراق وليبيا وغيرهما، أمريكا تبرره بـ»تعزيز الديمقراطية أو مكافحة الإرهاب»، لكنه فى الغالب انتهى إلى عدم استقرار، وفراغ فى السلطة، واضطراب إقليمى طويل الأمد.

ثالثا: الولايات المتحدة مصدر للابتكار العلمى والمساعدات الإنسانية وضمانات الأمن العالمية، فعلى سبيل المثال حلف شمال الأطلسى من أسباب استقرار أوروبا، يعنى يمكن أن نصف الولايات المتحدة بأنها قوة فاعلة لديها القدرة على التهديد أو الاستقرار، حسب اختياراتها، مثل النهر القوي، يمكنه الرى أو الفيضان.

وختم «كوبايلوت كلامه بسؤال» فى غاية الأهمية أظنه مطروحا على العالم أجمع: كيف نبنى أنظمة عالمية تعمل على تقييد السلطة وتعزيز المساءلة، بغض النظر عمن يملكها؟.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية