تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
«مالك محمد» ليس آخر الضحايا!
قطعا لا تعرفون «مالك محمد السيد»، ولماذا أصلا تعرفونه؟، هو طفل فى العاشرة من عمره فقد حياته مجانا أو بمعنى أدق قُتل عبثا، لم تصدمه سيارة مسرعة وهو يعبر شارعا، لم يكن مصابا بمرض عضال أودى بحياته، لم يطعنه صاحب سوء بسكين أو يضربه بحجر ثقيل على أم رأسه وهم يلعبون فى منطقة عشوائية خطرة، قتله غياب القانون..هل تصدقون؟
نعم..غياب القانون يسمح بتسلل بعض الفوضى، والفوضى أنواع ودرجات، وفى الفوضى يمكن أن يقع القتل، سواء عمدا أو بالمصادفة، كان محمد ذو العاشرة من عمره واقفا فى شرفة شقتهم فى شارع الروضة بشبرا الخيمة، يجمع ملابسه الرياضية من حبل غسيل ليلبس ويذهب إلى ناديه، هو ناشئ فى رياضة التايكوندو، بطل موهوب واعد حصد بضع ميداليات..لم يلبس، لم يذهب وإنما استغاث وهو يصيح على أمه: الحقينى يا ماما!
كانت طلقة طائشة قد نفذت إلى رأسه، فسقط فى بركة دماء مغشيا عليه، ثم دخل فى غيبوية دامت 67 يوما، لم يفق منها، بالرغم من المستحيل الذى فعله اطباء مستشفى المعادى العسكرى، وقد نقله إليها الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضية والاتحاد المصرى للتايكوندو، فرحل عن عالمنا فى نهاية ديسمبر الماضي.
من أين أتت الرصاصة القاتلة؟
من حالة فوضي.. حكاية معادة مملة، لا مالك أول ضحاياها ولن يكون الأخير، هؤلاء الذين يطلقون الرصاص عشوائيا فى الأفراح الشعبية، من طبنجات أو خراطيش ليست مرخصة، يمسكها شباب طائش فارد صدره، خليط من البلطجة والفهلوة والغرور.
مالك أصيب ظهر يوم الجمعة 21 أكتوبر الماضى، قبلها بيوم فوجئ سكان شارع الروضة بـ «شلة» من الشباب، ضجيج وصخب وزعيق وهتافات وزغاريد ومكبرات صوت يقتحمون الشارع، وفى ثوان أغلقوه بالترابيزات والكراسى، ونصبوا حفل احتفال «تنجيد عريس» من الجيران، كان التنجيد غدا، لكن الإعلان الصاخب عنه ضرورة ليعرف القاصى والدانى به.
هاصوا قليلا أو كثيرا..ثم غادروا وعادوا فى اليوم التالى بعد صلاة الجمعة مباشرة، أغلقوا الشارع تماما وراحوا يلعبون بالأسلحة النارية، كأنهم فى عرض للقوة الباطشة. شوارع شبر الخيمة ضيقة، والبيوت من كل جانب تحيط بالأيدى المهتزة التى تضرب الرصاص عشوائيا، فاستقرت رصاصة فى رأس مالك.
صحيح أن الشرطة قبضت على المتهم، صحيح أن أهل المتهم لم يخجلوا، وعرضوا على أهل مالك «دية أو فدية»، كما لو أن الفلوس يمكن أن تداوى جرحا غائرا لن يندمل مهما جرت مياه النسيان فى نهر حياتهم، فالوجع سوف يلازمهم، والحلم الموؤد سيظل حنظلا فى حلوقهم.
جريمة قتل خطأ، إذا ثبتت على المتهم، عقوبتها خمس سنوات على الأكثر، وقد يعثر أهله على محام من إياهم، لا تعنيه العدالة بقدر ما تعنيه الشطارة والمكسب، يشكك فى الأدلة حتى لو كانت اعترافا، فكيف نتيقن أن الرصاصة التى قتلت الطفل خرجت من نفس السلاح؟، وكيف نتيقن أن سلاح الجريمة يخصه وكان فى يده هو، وليس فى يد شخص آخر؟، وعدد من ضربوا النار كثير، فتقل العقوبة أو تتلاشي.
هذا ليس مربط الفرس، مربط الفرس فى البيئة، الظروف التى هيأت فرصة القتل الخطأ، وجعلت وقوعا حتميا، أى أشبه بالقتل العمد.
أول عناصر هذه البيئة وأخطرها.. الجرأة التى جَمَعت هؤلاء الشباب الذين هم خليط من البلطجة والفهلوة، ليقتحموا شارعا فى عز النهار، دون أن يعملوا حسابا لأى قانون أو نظام عام، ما الذى نزع من قلوبهم وعقولهم إحساسهم بالقانون والناس؟، سيبك من الناس، فالبلطجة نوع من الإرهاب، والناس بسيطة ومسالمة وتمشى جنب الحائط، وربما تفضل أن تكون أشباحا غير مرئية، ولا طاقة لهم بالوقوف أمام أسلحة نارية وربما سنج وجنازير.
دعونا نتحدث عن القانون، والقانون «فكرة» قبل أن يكون رجل شرطة أو نيابة أو محكمة أو سجنا، نعم فكرة رادعة، يعمل أفراد المجتمع حسابه ليتجنبوا الوقوع تحت مقصلته، هو يشبه «السلاح النووي» الذى يردع الدول عن الدخول فى نزاعات مسلحة واسعة قد تؤدى إلى استخدامه، فتظل تلك النزاعات فى دائرة يمكن تحمل أضرارها أو التعايش معها، لكن لو انفرطت «فكرة الردع»، من المؤكد أن عالمنا يمكن أن يختفى «ذريا» من الوجود فى بضع ساعات.
والقانون هو أداة الردع فى المجتمع لكل الناس، إلا من يتجرأون عليه لأسباب مختلفة، وحسب نوع الجريمة التى تتراوح من مجرد سواقة توكتوك دون ترخيص أو الاستيلاء على الأرصفة والشوارع إلى السطو المسلح أو القتل مع سبق الإصرار والترصد.
قيمة القانون فى الرهبة منه، والرهبة مستمده من قدرته على الإمساك بتلابيب من يتجرأ عليه أو يهينه، وأن يستقر هذا يقينا فى عقول الخاضعين له، وكلما اتسعت دائرة من يخشون القانون ويعملون حسابه ضاقت مساحة التسيب والجرائم العلنية، إذ لا توجد دولة فى العالم يمكن أن توفر رجل شرطة وراء كل مواطن يكسر القانون.
ما الذى طمأن هؤلاء الشباب بأنهم فى مأمن من قبضة القانون وهم يقتحمون الشارع وينصبون الترابيزات والكراسى ومكبرات الصوت، ثم يعودون يغلقون الشارع تماما فى اليوم التالى ويطلقون المئات من طلقات الرصاص فى الهواء إلى أن يسقط مالك فى دمه؟.
مؤكد أنهم لا يحسون بوجود القانون.. ومؤكد أنهم جربوها مرة ومرات، أو رأوها فى أماكن أخرى مرة ومرات.
نعم أى درجة من الفوضى يمكن أن تقتل أو فى الغالب سوف يسقط لها ضحايا بطرق مختلفة، ولن يكون مالك آخر ضحاياها.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية