تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عمر > «تكوين» ومأزق العقل المعطوب!

«تكوين» ومأزق العقل المعطوب!

حين تابعت ردود الأفعال على إعلان تأسيس (مركز تكوين الفكر العربي)، كأننا فى «خناقة في درب البُرْقع، عملت نفسي من بنها، يعنى تغافلت وأغلقت شبابيك الرؤية، ويقول المثل الشعبي: «ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه».

 

وفعلا سهوت متعمدا لا أقرأ حرفا ولا أسمع تعليقا، واعتبرت نفسي كائنا فضائيا زائرا، ولأن الفوضى العقلية لم تنفض، رحت أجمع ما كتب عنها وأذيع في الجرائد والمجلات والمواقع والفضائيات وقنوات اليوتيوب، صعقت ودعوت: يا حفيظ يا مغيث أنقذ أهل هذه البلاد الطيبة من المؤامرة التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين فيها، جحافل الإلحاد واللادينية وإشاعة الكفر وهدم ثوابت الدين تحاصر أرضهم، وتحاول السيطرة عليها.

بلاغات إلى النائب العام، وطوفان من التحذيرات والسباب والطعن في الذمم والعقول واتهامات بنشر الفتنة والإضرار بالأمن القومي. يا الله..هل يمكن لمركز فكر أن ينتوي ويدبر لارتكاب مثل هذه الجرائم؟

قلت إن أقصر طريق لفهم أخطار هذا المركز، هو البلاغ المقدم من أحد المحامين إلى النائب العام ضد مجلس الأمناء، تقول بعض سطوره: «إنه نمى إلى علمى من خلال الأخبار المتداولة عبر المواقع الإخبارية أن المبلغ ضدهم تلقوا أموالا من بعض الدول الأجنبية والجهات المعادية للدولة المصرية، خُصصت للإنفاق على الترويج ونشر أفكار مركز تكوين المتطرفة والمغلوطة التي تتبناها المؤسسة، قاصدين من ذلك زعزعة أمن واستقرار وسلامة البلاد ونشر الفتنة والإضرار بالأمن القومي المصري، وهو ما يعتبر جريمة جنائية معاقبا عليها قانونا طبقا لنص المادة 78 والمادة 98 فقرة (و) من قانون العقوبات».

وفي رأيي الشخصي أن توصيف الاتهام في البلاغ يرتقي إلى الخيانة العظمى، لكن قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته خلا تماما من هذا المصطلح، وهذا من حسن حظ المبلغ ضدهم. وحين تابعت أخبار البلاغ على المواقع الإخبارية، لم أجد وثائق أو مستندات مرفقة به، لا أرقام حسابات بنكية، ولا أرقام تحويلات إليها أو قرائن من الجهات الممولة بأنها «تدعم» أو «تتبرع» لمركز تكوين، أو على الأقل كشوف رواتب المبلغ ضدهم ، حتى يمكن أن نسألهم: من أين للمركز هذا التمويل؟، ومن هم أصحابه؟

لم أجد إلا «أنه نمى إلى علمي»، أليست هذه عبارة ظنية أقرب إلى شائعة؟!

لا يهم، لا دخان من غير نار، ربما التمويل سري، وهذه مسألة صعبة الإثبات، وليست من مهام النائب العام، هذا دور رجال الشرطة في البحث والتحريات، فهل كان يجب على مقدم البلاغ أن يقدمه إلى الشرطة أولا، وحين تتأكد من صحة (نمي إلى علمي)، تُحيل البلاغ إلى النيابة؟

قد نتجاوز عن هذا الروتين، لخطورة الجرائم التي ينتوى المركز ارتكابها، وبالقطع النيابة العامة ستكلف الشرطة بالتحريات المطلوبة، إذا تيقنت من القرائن.

دعنا من التمويل الذي تحيطه السرية، ولنذهب إلى الفكر مباشرةً، فليس فيها أسرار ولا خبايا، وإلا كان المركز تنظيما سريا مثل الجماعات الدينية المتطرفة التي جعلت حياتنا «أسود من قرن الخروب عشرات السنوات، قتل واغتيالات واقتحامات وتفجيرات وسرقة محلات ذهب وضرب بالجنازير وجلد..الخ».

وبالمناسبة لا أعرف محاميا أو شيخا أو أستاذا أزهريا قدم بلاغا إلى النيابة العامة ضد هذه الجماعات أو أصدر منشورا يطالب بحلها ومصادرة عقول أعضائها.

المهم أن فكر المركز معلن، واعترف بأن كثرة من المصريين يعترضون على أفكار «المبلغ ضدهم»، فهم بالفعل مثيرو جدل، يقذفون المجتمع بقضايا شائكة، يفككون أقوالا راسخة، يطرحون أسئلة ترعب الخائفين على إسلامهم، أقصد على ما عرفوه وآمنوا به وسمعوه من شيوخهم ودعاتهم..

عموما مع الفكر، لا يجوز استخدام السمع في المعرفة والحكم، الأذن أداة سيئة، العقل فقط هو معيار الفكر، وللأسف أغلب ثقافة المصريين سمعية لا معرفية، ثقافة نقل وحفظ، لا ثقافة نقد وتمحيص، مع أن الله سبحانه وتعالى يحثنا في قرآنه الكريم على التدبر والتأمل والتفكير، وهي من أعمال العقل لا الأذن، المهم أخذت نفسي ونزلت على موقع «تكوين»، وجدت على صفحته الرئيسية خمسة عناوين، تعريف بالمركز وأهدافه وأعمال منشورة وفيديوهات: تعمل المؤسسة على تطوير خطاب التسامح وفتح آفاق الحوار والتحفيز على المراجعة النقدية وطرح الأسئلة حول المسلمات، وإعادة النظر في الثغرات التي حالت دون تحقيق المشروع النهضوي الذي انطلق منذ قرنين.

هل فيكم من يختلف على هذه العبارة؟، ألسنا في حاجة جادة وملحة لنعرف أسباب فشلنا في الخروج من مستنقع التخلف منذ تجربة محمد على باشا وحتى الآن؟، هل البحث في هذه المسائل خطر على الدين؟

ثم قرأت ما يقرب من عشرة مقالات ودراسات، منتهى الرصانة، يستحيل أن يرغبها العامة أو أنصاف المتعلمين، أو حتى كثرة من أصحاب المؤهلات العليا، وهذه عينة من عناوينها «الهوية والعالمية..(في إمكانات الميتا-هوية) في العالم»، الماركسية بين تألق البدايات والأحلام المحبطة، الحداثة العربية وأوهام التأصيل، نظرية العقل عند الأصوليين، الاحتيال اللغوي لجماعات التمايز بالإسلام عن المسلمين «الكاتب أستاذ بجامعة الأزهر»..وهكذا.

لم أجد دعوة لإنكار الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج أو الشهادتين..أين إذن هدم ثوابت الدين؟، أين الخطر على أمن مصر؟

مجرد فكر رصين عميق ليس موجها للعامة على الإطلاق، ولن ترغب غالبية المصريين في قراءة سطرين منه، كيف يكون خطرا على عموم الشعب؟ هل عرفتم لماذا نحن متخلفون وأسباب فشلنا في الهروب من الكهف بالرغم من محاولاتنا لأكثر من مائتى سنة؟

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية