تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الحياة الرقمية وثقافة الانطباعات السطحية
قبل الثورة الرقمية كانت الآراء حول الأحداث التاريخية والسياسيين، والزعماء، تعتمد على مقاربات الكتاب والمؤرخين او بعض السياسيين لهذا الحدث أو ذاك، ورصد المعلومات المتاحة حوله من المصادر التى يعتمد عليها الكاتب والمؤرخ، او الصحفى او المثقف فى عرضه للحدث، وأهميته فى مسار المرحلة التى يتحدث عنها، وكان هناك عديد من المقاربات تتمثل فيما يلى:
أولًا: المقاربة الوصفية التى تعتمد على رصد الوقائع السياسية أو الاجتماعية أو الدينية أو المذهبية أو القومية أو العرقية أو الفردية، أو الجماعية التى شكلت الحدث التاريخى، ويتم عرضه عبر الصحف والمجلات - على نحو ما حدث بعد ظهورها - أو بعض الوثائق الرسمية المعلنة او السرية المكتشفة، أو شهادات بعض الفاعلين فى الحدث التاريخى، أو الآراء المختلفة التى قيلت من بعضهم، وتقييمهم له.
المقاربة الوصفية قد يكون الكاتب أو المؤرخ محايدا فى عرضه للحدث، أو متحيزًا من خلال عرضه الوصفى لوقائع الحدث، أو موضوعى نسبيا من خلال عرض الآراء المختلفة، وترك المجال للتقييمات السياسية والتاريخية للقارئ. الكتابة الوصفية تنطوى على سرود للوقائع، وكانت شائعة، خاصة من بعض المؤرخين، وشكلت مصدرًا من مصادر الكتابة التاريخية، التى يعتمد عليها الكاتب كمصدر من مصادره.
المقاربة الثانية: الكتابة التاريخية المتحيزة التى ذهب إليها بعض المؤرخين من خلال عرض الحدث، ومصادره المتعددة، الأصلية والثانوية، والوثائق الرسمية حوله إن وجدت، أو آراء بعض الفاعلين فى الحدث التاريخى، فى كتاباتهم عنه، أو مذكراتهم، أو فى المصادر الصحفية، أو الكتب التاريخية، ومثالها كتاب «وصف مصر» الذى أصدره علماء الحملة الفرنسية، أو كتابات الجبرتى إلخ. هذا النمط من المقاربات التاريخية، شكل حالة فى كتابات التاريخ المصرى، خاصة فى المراحل التى سادت منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى الآن. غالبا ما تشوب هذه المقاربة بعض أحكام القيمة الأخلاقية والآراء الأيديولوجية والدينية المرسلة، ولاينتج بعضها معرفة أو وعيا تاريخيا، وتفتقر للموضوعية.
المقاربة الثالثة: الكتابة التاريخية الاحترافية المنهجية التى تعتمد فى تأريخها، وتقويمها للأحداث على الموضوعية، وذلك من خلال اختيار منهج تاريخى فى معالجة الأحداث التاريخية، وفق السائد فى الدراسات التاريخية فى التقليد المنهجى العالمى فى دراسة التاريخ بما فيها التاريخ الشفاهى، وتاريخ الأدب، ومدارس مختلفة مثل التاريخ الاجتماعى، ومدرسة الحوليات الفرنسية وغيرها من المناهج، وتطبيقها، وإدخال تعديلات فى المنهج حتى يكون ملائمًا، وقادرًا على التعامل الفعال والكفء مع الحدث التاريخى، ويدفع نحو تقييم موضوعى للحدث التاريخى. الموضوعية فى أحد أبعادها أن يعلن المؤرخ تحيزاته وسواء أعلن عنها، أو حاول إضمارها، سيتم اكتشافها من توظيفه للمنهج، وعرضه للوقائع، وتقييمها، ومدى اعتماد رأيه على بنية معلوماتية دقيقة وموثقة، وقدرته التحليلية على ردم الفجوات الغامضة فى الحدث. كانت هذه المقاربات غالبة، حتى هيمن التاريخ الرسمى السلطوى على مقاربات تاريخ كل بلد عربى بعد الاستقلال، وفرضت الطبقات السياسية الحاكمة تصوراتها المتوهمة والمتخيلة، والحقيقة فى نظرتها الأحادية لتاريخ كل بلد.
ما نتائج هذا التوجه فى كتابة التاريخ السلطوى؟ اضطراب الرؤية لدى المواطنين حول تاريخ بلادهم وتشوشها، وأدى ذلك إلى غياب الوعى التاريخى وشيوع الخرافات والمرويات غير الموضوعية، والأحكام القيمية والأخلاقية فى تقييم الأحداث التاريخية. أزمة الوعى التاريخى، والثقافة التاريخية واللاموضوعية جزء من الطقوس السنوية فى المنطقة العربية ـ إلخ!
حالة من الفوضى والانطباعات السطحية السانحة، والتقييمات التى لا سند لها من الوثائق، والكتابات التاريخية.
يرجع ذلك لما يلى:
التوظيف الأيديولوجى والسياسى للحدث التاريخى للتعبيرعن موقف الكاتب، أو الناشط، أو الباحث، دونما موضوعية أو منهجية.
ضعف الثقافة التاريخية لدى من يعملون بالسياسة والنشطاء والمتعلمين، وغالبا من يطلق عليهم مجازًا «المثقفون».
خلط بعضهم بين التاريخ ووقائعه، وبين بعض السرديات الروائية حول بعض الشخصيات التاريخية وعصرها، وبين الأوضاع المعاصرة.
هذه هى حالة الوعى التاريخى والثقافة التاريخية المأزومة فى المنطقة العربية، ومثلها أيضا الكتابة عن القومية العربية، أو ضدها حيث تسود الآراء الأيديولوجية الجامحة حولها، بل وحول العروبة الثقافية، .. إلخ.
ما أثر الحياة الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعى على الوعى التاريخى؟ أدت الثورة الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعى إلى شيوع وهيمنة خطابات السطحية والتفاهة والانطباعات المرسلة من الجموع الرقمية الغفيرة حول تاريخ بعض الدول العربية. فى عصر الجموع الرقمية الغفيرة، كل شخص يريد أن يتكلم ، وهذا حقه، لكن دونما معرفة، أو علم، أو موضوعية أو حتى معرفة بالكتابة ذاتها! من هنا لا نجد إلا قليلًا ونادرا مقاربات منهجية إلا بين بعض الباحثين، وغالبا لا توجد إلا فى دراسات منهجية، أو كتب تاريخية وسياسية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية