تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > نبيل عبد الفتاح > الثورة الرقمية وميلاد الفرد والفردانية

الثورة الرقمية وميلاد الفرد والفردانية

أحدثت الثورة الرقمية، تحولات كبرى فى الحياة الإنسانية كلها، وعلى رأسها تحفيز ميلاد الفرد فى المجتمعات التى لا تزال لم تتبلور فيها الفردانية، وحقوق الفرد الشخصية والعامة بالنظر إلى عدم نضوج الشروط الاقتصادية والاجتماعية، وعلاقات الإنتاج التى تؤدى إلى تبلور البنية الطبقية، ومعها الطبقات الاجتماعية المختلفة. أدت الثورة الرقمية إلى انتقال الجماهير الغفيرة إلى المجال العام الرقمى، كى تعبر عن ذواتها الفردية، وهوياتها الأولية، وأشواقها، ورغباتها، وهمومها، ومشكلاتها .. الخ،

وهو ما يسهم فى إنتاج الفردنة، وتبلور نسبى لرؤية الذات لذاتها، ونظرتها إلى العالم، فى فضاءات مشرعة على الحريات، والأفكار والآراء المتعددة. لا شك أن عمليات تشكيل الفردانية، والفرد، تؤثر على الحياة الفعلية، من حيث الطلب الاجتماعى على الحرية الفردية، والحق الحر فى التعبير بأشكاله المختلفة، ومضامينه الاجتماعية والسياسية، ومن ثم سيؤدى ذلك إلى خلخلة البنى السياسية والاجتماعية البطريركية، وسيساعد على حرية المرأة، وتمكينها، وأيضا ارتفاع أصوات الفئات الاجتماعية المهمشة، والأقليات الدينية والعرقية والمذهبية، والجماعات المثلية التى ارتفع صوتها كونيا، بالنظر إلى أنها أصبحت جزءاً من بناء القوة السياسية فى المجتمعات الأكثر تطوراً فى الغرب، ومن ثم باتوا يشكلون قوة ضغط سياسية، ويتم الربط بين الاعتراف بهم، والمعونات الاقتصادية الدولية والقروض ، على المجتمعات التى لا تعترف بمثل هذه الحقوق، لاختلاف ذلك مع القيم الدينية، والثقافة العربية الإسلامية وتقاليدها.

الأخطر أن الثورة الرقمية، أدت إلى إتاحة الفضاء الرقمى ووسائل الاتصال الاجتماعى، للجموع الرقمية الغفيرة أن تمارس الحق فى الصراخ، والغضب من كل شىء كمحاولة للتعبير عن ذواتهم المحاصرة، تحت ضغط التسلطية السياسية، والنمط البطريركى فى بنية الأسرة، والعائلة، والقبيلة والعشيرة، خاصة فى المجتمعات الانقسامية - سوريا، والعراق، ولبنان، والسودان، وليبيا-، أو الدفاع عن هذه الهويات الطائفية، والمذهبية، والعرقية. هذه الموجات من الصراخ، والخطابات الهوياتية، ستستمر، وسيحدث تحولات نحو المزيد من التفكك والانقسام الداخلى.

 

الأهم انعكاسات الثورة الرقمية على الفرد الرقمى والفرد الفعلى –فى طور تشكلاته- هو حالة الانكشاف للشخصية، وتطوراتها النفسية، والاجتماعية، فى تفاصيل حياتها، ورغباتها، بدأت ظواهر الانكشاف الفردى، مع جهاز الهاتف المحمول ، من خلال المكالمات التى يجريها الأفراد، فى المنزل، والشارع، وعربات القطارات، والسيارات العامة، والمركبات الخاصة. مكالمات كاشفة عن تفاصيل حياتهم اليومية، وانتهاك كرامة الآخرين، أو الهزء بهم، أو الوشاية بهم لأقرانهم أو أصدقائهم، أو من يكرهونهم، انكشاف الذات والآخرين، كاشف عن عواطف الحب، ومشاعر الكره وعن الحالة العاطفية، والنفسية، والمالية للفرد فى مكالماته، من خلال الأصوات العالية، والصاخبة فى غالب الأحيان. الأصوات العالية، هى حالة تعبيرية عن قمع الذات، وقمع الصوت والكبت، من هنا يميل الأفراد إلى نبرات الصوت العالية، والبوح، وذلك لتفريغ المكبوتات المقموعة، أو بعضها لدى الفرد. الانكشاف تطور مع الهاتف المحول المتعدد الوسائط، وارتباطه بالشبكة العنكبوتية، وهو مؤثر على العلاقات الاجتماعية من خلال الوصول إلى المواقع الإباحية، التى أثرت عربيا على واقع الفرد، والحياة الأسرية، من خلال انفتاح المترددين عليها، واستهلاك موادها، ومن ثم شيوع الإحساس بعدم الرضاء فى حياته الحميمة، مع زوجته، أو من الزوجات على أزواجهن، وإلى شيوع ممارسات خارجة عن المألوف، وأيضا فى تهتك أنسجة القيم الاجتماعية السائدة، وغرس قيم مختلفة . الرقمنة، ووسائل التواصل الاجتماعى أدت إلى إنتاج بعض العلاقات الاجتماعية الرقمية، ومنها الصداقة الرقمية، والحب الرقمى،

وهى ظواهر أدت إلى ارتفاع الفحش فى الخطابات، واللغة الجنسية العارية، والبذاءات اللفظية ، على نحو أثر على لغة الخطاب الرقمى للفرد العادى الرقمى، أحياناً بوجهه الصريح والفعلى، وأحيانا من خلال الأقنعة . الانكشاف الرقمى للذوات الرقمية امتد إلى توظيف صورة الذات الفعلية، وبثها على وسائل التواصل، كصور من منظورات إثارية، أو تهكمية من خلال الفيديوهات القصيرة جدا، أو باستعراضات بعض الفتيات والنساء لأجسادهن –أيا كانت أشكالها وأحجامها- من أجل الإثارة، وللحصول على المال من الشركات الرقمية، وهى ظاهرة باتت تشكل أحد أبرز علامات الواقع الافتراضى.
الانكشاف الذاتى والجماعى الرقمى، فتح المجال لحالة من الفيضان للمسكوت عنه فى المجتمع الفعلى فى عديد المجالات، وإلى إشاعة الأكاذيب، ونشر الفضائح الفردية، أو الاقتصادية، أو السياسية، وفرض على المؤسسات خطاب الترند Trend، ويتم توظيفه، لكسر حالات الاستقطاب الاجتماعى والسياسى والاحتقانات المصاحبة له. من ناحية أخرى أدت الثورة الرقمية إلى انكشاف بعض الحياة الخفية للطبقة السياسية.

الانكشاف بات حالة عامة من الجميع على الجميع، ومن المواطن على الدولة، ومنها عليه. فى ظل الحالة الانكشافية ضاعت مفاهيم الخصوصية، وقيم الستر التى وسمت الحياة الفعلية، فى مجتمعاتنا العربية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية